رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الاتحاد الأوروبى على صفيح ساخن، حقيقة لا يمكن تجاهلها، والخلاف الكبير بين المستشار النمساوى سيباستيان كورتس والاتحاد الأوروبى أظهر ذلك بوضوح، الى جانب أنه يدخلنا الى عالم المتاهة الكبيرة التى لا يعرف قوانيها أحد فى الاتحاد الأوروبى، فلقد اتهم الرجل البالغ من العمر 34 عامًا الاتحاد الأوروبى بشدة بشأن توزيع جرعات اللقاح بشكل غير عادل على دوله الأعضاء البالغ عددها 27 دولة. وانتقد كورتس «بازار الاتحاد الأوروبى» وطالب بإجراء تعديلات لصالح الدول الأعضاء التى تتلقى جرعات أقل من غيرها، ويقال إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل انزعجت من كورتس لدرجة أنها ذكّرت المجموعة بأن عقود اللقاح موقعة من قبل الدول الأعضاء نفسها «وليس من قبل بعض البيروقراطيين الأغبياء» فى بروكسل، لذلك عندما سافر كورتس إلى برلين مؤخرًا، لم تجد ميركل وقتًا لاستقباله، بينما تقول عدة مصادر أن هذا لم يكن بسبب أجندتها الكاملة.

ومن المعروف أنه فى الصيف الماضى، قرر القادة الأوروبيون، بمن فيهم كورتس، شراء اللقاحات معًا وتوزيعها على الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة، وبالطبع تحصل الدول القوية الغنية أولاً على اللقاح، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا، ثم الدول الصغيرة مثل النمسا فى الجزء الخلفى من قائمة الانتظار، لتواجه التأخير، والأسعار الباهظة، وغيرها من الظروف غير المواتية، لذلك طلبت جميع الدول الأعضاء من المفوضية الأوروبية شراء اللقاحات نيابة عنهم،وانضمت النرويج وسويسرا، وهما دولتان صغيرتان من خارج الاتحاد الأوروبى، إلى المبادرة، بينما رفضت المملكة المتحدة الدعوة.

ومع ذلك يجب الأخذ فى الاعتبار أن كورتس، الزعيم المحافظ الذى اعتبره الكثيرون قبل بضع سنوات فقط يمكنه تنشيط السياسة والمجتمع النمساويين، والذى كان يتمتع بمعدلات شعبية عالية خلال معظم فترة الوباء، إلا أنه الآن، يواجه معارضة متزايدة، بل ويرفض العديد من النمساويين إجراءات الحكومة بشأن فيروس كورونا. وفى فيينا يخرج أشخاص ضد اللقاحات، بالطبع كورتس حريص على تخفيف إجراءات كوفيد -19 مثل القادة الأوروبيين الآخرين، لكنه لا يستطيع ذلك، فمعدلات الإصابة لا تزال مرتفعة. وعلاقة كورتس بشريكه فى ائتلاف الخضر – وخاصة مع وزير الصحة الأخضر – متوترة، لذلك قد يفسر هذا البعض ما فعله كورتس من انتقاد الاتحاد الاوربى على أنه وسيلة للبحث عن مخرج وبالتالى بدأ فى مهاجمة بروكسل، والتى غالبًا ما تكون كبش فداء مفيد للقادة الوطنيين عندما يعانون من معدلات شعبية متضائلة.

الغريب أنه عندما انتقد كورتس نظام التوزيع، واصفا إياه بأنه «غير عادل» وأشار إلى العقود «السرية» التى تحرم بعض البلدان من نصيبها العادل، أصيب زملاؤه بالذهول، لأن الصحة ليست اختصاصًا أوروبيًا، فقد حافظت العواصم الأوروبية على الكلمة الأخيرة فى جميع العقود مع شركات الأدوية، أما نظام توزيع اللقاح، فقد تولوا مسؤوليته بأنفسهم، وبالتالى المفوضية الأوروبية ليس لها دور فى هذا، علاوة على ذلك، أظهرت الإحصاءات أنه فى المتوسط، تم تطعيم النمساويين بشكل أسرع من بقية أوروبا، حيث قامت النمسا بتلقيح 14.6 شخص لكل 100 مقيم، وهو أعلى من متوسط ​​الاتحاد الأوروبى البالغ 13.6، وفقًا للأرقام التى جمعها المركز الأوروبى للوقاية من الأمراض ومكافحتها.

وفى الحقيقة أنه كان على كورتس الاعتراف بأن الاتحاد الأوروبى نفسه لم يكن مخطئًا، لكنه واصل القتال، وخاصة بعدما جمع قادة الدول الأعضاء الأخرى الذين شعروا بالحرمان ومنهم كرواتيا وبلغاريا وسلوفينيا ولاتفيا وجمهورية التشيك، وكتبوا جميعًا رسالة إلى بروكسل، يطالبون فيها بالحصة العادلة من اللقاحات التى يُزعم أنهم حُرموا منها.

بالطبع من الصعب المبالغة فى الإحباط من مناورات كورتس السياسية على حساب أوروبا، حتى بين دول «الأربعة المقتصدة» التى قاتلت جنبًا إلى جنب مع النمسا العام الماضى لمنع صندوق التعافى من فيروس كوفيد - 19 بقيمة 859 مليار دولار وتقليص الميزانية الأوروبية الجديدة متعددة السنوات.

وفى هذا الصراع الخفى يمكن أن يُنسب الفضل إلى كورتس على الأقل لتوضيح أن بعض الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبى، لا يزال بإمكانهم محاولة تسجيل نقاط سياسية قصيرة المدى من خلال مهاجمة بروكسل، حتى وأن كان القادة الاوربيون يدركون أنهم لا يستطيعون إدارة شؤونهم بأنفسهم ويحتاجون إلى الاتحاد الأوروبى لحل مشاكلهم.