رؤى
فتاة تسافر عشرات الكيلومترات من بلدتها إلى بلدة أخرى لكى تنتحر، لماذا لم تنتحر فى بلدتها؟، ما الذى كانت تفكر فيه طوال هذه المسافة؟، ألم تصادف طوال ساعات السفر ما يثنيها؟
شاب يغادر منزله، يقف على المحطة، يحشر نفسه فى المواصلات، يسدد الأجرة، يخلى مقعده لمسن أو مريض أو سيدة فى مقام والدته، ينزل ويتجول، يصعد البرج، ويلقى نفسه، ما الذى كان يسيطر على عقله وفكره وأحاسيسه طوال هذه الساعات؟..
فتاة تنزل إلى الصيدلية تشترى مادة سامة أو بعض الحبوب المخدرة، وترجع إلى منزلها، تدخل حجرتها، تغلق على نفسها، تبتلع المادة وتلفظ أنفاسها، وأخرى تدخل الحمام تلقى على نفسها الجاز أو البنزين وتشعل النار فى جسدها، ورابعة تلقى بنفسها فى البحر أو النيل.
وشاب يعلق نفسه فى مروحة المنزل أو فى حديدة سقف حجرته، يسحب كرسى المكتب أو السفرة، يربط ملاية السرير فى حلق السقف، ويعمل فى طرفها الثانى طوق المشنقة، يضعه حول رقبته، يضرب الكرسى برجله، وينتقل من حجرته إلى عالم الموت الذى لا نعرف عنه شيئاً ونخافه.
لماذا ينتحر البعض؟ ولماذا يخطط البعض الآخر لعملية انتحاره؟ هل فكر فى كيفية انتقاله من الوجود الذى نعيشه إلى وجود آخر غيبى لا نعرف عنه شيئاً؟ هل فكر فيما قد يتلقاه من عقوبة أو ألم أو خوف؟
يقال إن للمنتحر مبررات كثيرة، وفى مجملها تقع تحت كلمة العجز، فى لحظات يشعر الإنسان بأنه أصبح عاجزاً عن مواجهة مشاكله، وأن استمراره لا فائدة منه، وأن استمراره سوف يتسبب له المزيد من الشعور بالعجز او الانكسار أو الخجل أو المهانة أو الفشل.
الفقر والبطالة والمرض والغضب على قائمة مبررات إقدام البعض على الانتحار، يكتشف فجأة أنه عاجز عن تلبية احتياجاته أو غير قادر عن تحمل آلامه، لم يعد أمامه أية حلول ليجتاز هذه الحالة، انسدت الحياة وغلقت منافذ النجاة.
قد نتقبل إقدام البعض على الانتحار فى لحظة غضب، سيطرت عليه مشاعر سوداء، ولدت له الفكر، انتحر، لكن ماذا عن الذى قرر وخطط وحدد لتنفيذ جريمته؟ ماذا عن الذى سافر وغادر واستقل وذهب لساعات إلى مكان انتحاره؟ هل كان فى وعيه؟