«وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا» (النساء/٨٦)، وثمّنَ الدكتور الطيب أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، فى تغريدة لفضيلته على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» زيارة البابا فرنسيس، ووجه تحية خالصة لبابا الفاتيكان، محبة وثناء، نصها:
«زيارة أخى البابا فرنسيس التاريخية والشجاعة للعراق العزيز تحمل رسالة سلام وتضامن ودعم لكل الشعب العراقى، أدعو الله له بالتوفيق فى أن تحقق هذه الرحلة الثمرات المأمولة على طريق الأخوة الإنسانية».
نعم شجاعة محلاة بالمحبة من البابا فرنسيس، يستحق البابا تحية الإمام، ولكن (من جانبنا نقول) كما قال شاعر العرب أبو الطيّب المتنبى: «ليس كل ما يتمناه المرء يدركه»، وكم تمنيت وتطلعت إلى أن يرافق فضيلة الإمام الأكبر، قداسة الحبر الأعظم خلال زيارته الباباوية الأولى للعراق، تجسيد مستدام لوثيقة الأخوة الإنسانية الموقعة فى دولة الإمارات العربية فى الرابع من فبراير ٢٠١٩، كان الخير خيرين، خيرا للإنسانية المعذبة فى العراق الحبيب، وفرصة تاريخية للقاء المراجع الشيعية لفتح الطريق سالكًا للتقريب بين السنة والشيعة، وهذا مراد الطامحين إلى تجلى الأخوة الإنسانية فى أسمى معانيها.. آن أوان التواصل المذهبى، أو هكذا أعتقد.
العراق أثخنته الجراح، مريض مرض ليلى فى العراق، يَقولونَ لَيلى بِالعِراقِ مَريضَةٌ فَيا لَيتَنى كُنتُ الطَبيبَ المُداوِيا، نال من العراق التعب، نال نصيبه غرما، ودفع ثمنا فادحا من دماء شعبه، لحالة الاحتراب الدينية والمذهبية، وتحكمت فى مصيره جماعات شرهة للدماء تحت راية عمية، وعن الحبيب صلى الله عليه وسلم «من قاتل تحت راية عِمّية فقُتل فقِتْلته جاهلية»، معلوم الكراهية الدينية لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ.. وهؤلاء عميان لا يبصرون جزاء قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، فقتل النفس بغير حق من أعظم الكبائر والسبع الموبقات.
زيارة البابا فرنسيس (التى تأجلت طويلا) فرصة تاريخية وسنحت لإحداث نقلة ضخمة فى الحالة العراقية التى استعصت على العقلاء.. نداء السلام وصلوات السلام.. وينابيع المحبة والرحمة، كلها مفردات تتداعى فى أجواء هذه الزيارة التى تصل ما انقطع، وتعيد رتق اللحمة العراقية، بعدما تبذل ما بين العشيرة بالدم.
البابا فرنسيس سيدعو ومعه كل القلوب المحبة للسلام فى العالم، ويصلى من أجل السلام فى العراق، ويدعو إلى المحبة، وفى رسالته سيمسح على رءوس المسيحيين العراقيين الذين عانوا أهوالًا ستسجل فى سجلات السبى تذكيرا بوقائع «الأسْر البابلى» المحفوظة تاريخيا.
الحبر الأعظم برسالته وصلواته فى العراق سيفرش ثوبه الأبيض فى منطقة مخضبة بالدماء، ولا تزال تنزف، سيبارك شعبا عريقا، ويؤلف بين قلوب طيبة، ويخزق عيون أعماها الحقد الأسود عن رؤية العراق كما نحب أن نراه منيرا فى سماء المنطقة العربية، بغداد وما أدراك ما بغداد والشوق للأحباب، يقول طيب الذكر نزار قبانى فى قصيدته عن بغداد:
«بغداد جئتك كالسّفينة متعبًا
أخفى جراحاتى وراء ثيابى
أنا ذلك البحّار أنفق عمره
فى البحث عن حبٍّ وعن أحباب
بغداد طرت على حرير عباءة
وعلى ضفائر زينب ورباب».
البابا فرنسيس يفتح الباب واسعا للتواصل الإنسانى فى العراق، (واذا خلصت النوايا) ستغير الزيارة من ملامح الحالة العراقية وسيدفع البابا فى عجلة السلم الأهلى، البابا يترجم موعظة السيد المسيح عليه السلام على الجبل «طُوبَـى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. طُوبَـى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. طُوبَـى لِصَانِعِى السَّلاَمِ».