عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

بعد بضعة أعوام قليلة سأنضم إليهم ولو كان بالعمر بقية، ستلفظنى مؤسستى وبالقانون، تلك التى شاركت بشبابى وأهم سنوات عمرى فى بنائها وإعلاء صرح العمل والتقدم بها، وسأزورها متحرجة بين حين وآخر، إما للسؤال عن بعض مستحقاتى العالقة، أو شوقًا لزيارة مكتبى القديم وفضولًا لمعرفة من جلس عليه بعدى، وسيستقبلنى بعض الزملاء ببقايا الحب والعشرة التى كانت، وقد يتفضل أحدهم بدعوتى إلى كوب شاى أو فنجان قهوة «على مضض»، وسيهرب منى آخرون ويتجاهلون رؤيتى، اعتقادًا أنى جئت طلبا لخدمة ما كنت من قبل أقضيها بنفسى أو حتى أقضيها لهم.

وسأبحث عن مكان دافئ آمن، أقضى فيه ساعات نهارى، التى ستمر طويلة... طويلة أكثر مما أتصور، دون أن أجد شيئًا مفيدًا أفعله باستثناء فروض عباداتى، سأفتش فى أرقام هاتفى، وسأتصل بأقاربى الذين لم أتواصل معهم منذ فترة، بعد أن أنتهى من مكالمات لأولادى وإخوتى، وأستشعر منهم الملل منى لكثرة اتصالاتى وانشغالهم بحياتهم.

وحين أنتهى من كل هذا سأراقب عقارب الساعات، وأرجوها التحرك بسرعة حتى يأتى الليل لأستسلم للنوم فلا أشعر بمرور بعض يومى... وقد أتمنى خلاص الأجل، فلم يعد وجودى فى الحياة مهم لأحد، وسأظل أراقب هاتفى الصامت، أرجوه أن يرن، وأتخيل أن أحدًا ما دق جرس باب شقتى، فأفتح الباب وأغلقه أكثر من مرة، وأتأمل الردهة الطويلة والسلم الخالى من الأقدام والبشر دون جدوى ودون أن ألمح ظلًا لأحد...

سأكسل أن أطهو طعامًا لى، وسأعرج على أى محل أشترى وجبات خفيفة جاهزة، تتلاءم مع صحتى وسنى، فطعام البيت المطهو ليس له طعم إلا مع «اللمة»، وقد صرت وحدى، فلمن أطهو والعالم انفض من حولى وانصرف كل إلى شأنه «الحياة تلاهى»، سأزهد أى ناد مشتركة به وسألفظه مللًا من التكرار، وسأبحث دومًا عن أى «شلة» سيدات فى مثل حالى، نجلس الساعات الطويلة نثرثر فى لا شىء، نجتر الذكريات، ونلوك ونكرر ما قلناه أمس وأول أمس، نتندر على أخبار الدولة والساسة، وننم.. ننم، ليزداد شعورنا بالعجز والقهر، وسنفكر فى فعل أشياء مجنونة، عسى أن تخرجنا من حالة الملل والإحباط واليأس وانتظار الموت فى أيام كالحة باردة حتى فى عز الصيف.

فى الواقع ما سردته صورة طبق الأصل يعيشها تقريبًا أكثر من تسعة ملايين رجل وسيدة متقاعدين، فيما ينضم إليهم سنويًا أكثر من 20 ألف آخرين، يعانون الفراغ النفسى وغالبًا العائلى، أغلبهم لا يزل لديهم صحة وطاقة وقدرة على العطاء، ولكن لا يجد هؤلاء الرواد أى جهة تستوعب ما تبقى لديهم من رغبة عمل وطاقة وخبرة فى مجالات عملهم السابقة، خاصة من كانوا يتولون مواقع مهمة فى مؤسسات فاعلة اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، أو بجهات علمية وتعليمية وغيرها، ويستثنى من هؤلاء قلة دبروا أمورهم مبكرًا بإقامة مشروع صغير خاص بهم أو المشاركة فى مشروع ما يستوعبهم بعد سن المعاش.. ويستثنى أيضًا ومن كان لهم «واسطة» لإلحاقهم بالعمل فى مؤسسات ما...!

هذه السطور مقدمة لما سأطالب به، ولكن دعونى أولًا أستعد تلك الحادثة المهمة، وقد أكون تأخرت بعض الوقت فى تناولها، حين ضجت بها مصر وأشعلت مواقع التواصل الاجتماعى، وتحولت إلى قضية تستوجب العقاب القانونى لبطلتها، وهى حادثة سيدات نادى الجزيرة وعيد ميلاد إحداهن، والكعكات التى تحمل أشكالًا «جنسية» وتناولنها تحت لقطات كاميرات الهواتف المحمولة، فى الواقع لا أحب السير وراء الزفة، وأتمهل غالبًا لتأمل ما وراء الحدث، وأبحث عن جانب تحليلى لأى حادث يعد خروجًا عن المألوف من السلوكيات العامة، خاصة إذا كان صادرًا من أشخاص يعدون ممن يطلق عليهم «الميسورين» حالًا، أو فئات النخب أو كريمة المجتمع.

الفراغ... الفراغ يا سادة السبب الرئيسى وراء قصة سيدات نادى الجزيرة، فراغ الوقت، الفراغ النفسى، فلو نظرنا لأعمارهن، كلهن أو أغلبهن فى سن التقاعد، كانت لهن أعمال أو مهن جيدة، وكانت لهن حياة أسرية مزدحمة بالحياة، وفجأة انتهى كل شيء وانفض من حولهم، كبر الأولاد وانصرفوا لحياتهم، مات الزوج أو طلقها لمروره بمراهقة متأخرة وتزوج بأخرى شابة، ومن ثم تمت إحالتهن للتقاعد مع الوصول للسن القانونية، وهكذا تمت إحالتهن للتقاعد من كل شىء.. الأسرة من زوج وأولاد، والعمل، وكل الحياة، فماذا يفعل الرجال وماذا تفعل النساء ما بعد التقاعد؟... للحديث بقية

[email protected]