عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

حينما يستمع أو يقرأ أحد الناس  من غير المتخصصين فى الفلسفة كلمة « ميتافيزيقا « يفغر فاه  مندهشا ومتعجيا ومتسائلا عن هذا  المصطلح الغريب ! وحتى الطالب أو الدارس المتخصص كثيرا ما يضيق بدراسة هذا المقرر وربما تكون بعض أقسام الفلسفة فى العالم قد عزفت عن وضع و دراسة هذا المقرر  صمن برامجها الدراسية وربما يفضلون عليه الآن دراسة فروع شتى من الفلسفة التطبيقية المعنية بالتركيز على قراءة وتفسير ودراسة مشكلاتنا الحياتية المعاصرة سواء كانت مشكلات سياسية أو أخلاقية أو علمية أو جمالية وفنية ..الح. 

وليسمح لى الجميع بأن أوضح لهم أن هذا المصطلح فى أصله اليونانى مركب من مقطعين هما : «ميتا» وتعنى مابعد أو ماوراء و»فيزيقا» وتعنى الطبيعة أى أن المصطلح ككل يعنى ماوراء أو مابعد الطبيعة. وقد أطلقه شراح أرسطو على مجموعة مقالات كتبها موسومة بالحروف اليونانية وتحدث فيها إجمالا عما كان يدعوه هو بالفلسفة الأولى . ولعل السؤال الآن: ماذا كان يقصد أرسطو وشراحه بهذا الاسم ؟! لقد كان أرسطو ببساطه يعرف هذا العلم بأنه علم دراسة الوجود بماهو كذلك بعدما ميز بين الوجود فى ذاته وبين الموجودات ، فالموجودات المادية الطبيعية  التى أمامنا وحولنا إنما هى ظواهر طبيعية يدرسها العلماء فى علومهم المختلفة: علم الفيزياء-  علوم الحياة – علم الفلك ... إلخ . بينما التساؤل عماوراء هذه الظواهر والموجودات الطبيعية هو تساؤل فلسفى عادة مايطرحه الانسان على نفسه دون أن يهتم عادة بالاجابة عليه وإذا اهتم فهو عادة ماكان يطلق العنان لخياله لاطلاق الكثير من الأساطير المفسرة لهذا الماوراء وكثيرا ماتحولت هذه التصورات الخيالية إلى عقائد دينية آمن بها البشر دون إعمال عقل ودون تدبر ! 

والجديد لدى أرسطو فيما سماه بالفلسفة الأولى وماسماه شراحه بمابعد أو ماوراء الطبيعه هو أنه أخضع هذا الماوراء لتأملات العقل مستفيدا من دراساته العلمية فى علم الطبيعة وعلم الفلك ، وكان من أهم ماتوصل إليه عبر تأملاته الفلسفية وحججه العقلية أن ماوراء هذا العالم الطبيعى هو الوجود الإلهى ، وأن هذا « الإله « يتصف بالضرورة بأنه واحد وأنه غير مادى وغير محسوس وأنه هو العلة الأولى لكل ماهو موجود فى هذا العالم الطبيعى بسمائه وأرضه .وهكذا انتقل أرسطو من دراسة الطبيعة إلى ماوراء الطبيعه واعتبر أن الموضوع الأسمى لهذا العلم الجديد الموسوم بالفلسفة ( أو الميتافيزيقا ) هو معرفة العلل الأولى للوجود وعلى رأسها علة العلل والمحرك الذى لايتحرك وهو الإله. ولذلك كان الشراح والفلاسفة العرب يسمون هذا الكتاب لأرسطو « إلهيات أرسطوطاليس» وشغفوا به شغفا كبيرا وحاولوا الاستفادة مما فيه من حديث عن الوجود الالهى والبراهين العقليه على وجود الله فى التوفيق بين الفلسفة والدين ولم يكن ذلك حبا فى أرسطو بقدر ماكان محاولة منهم لجذب كل الناس الذين كانت ثقافتهم ثقافة يونانية إلى الايمان بالدين الاسلامى ، فالدين الاسلامى هو دين التوحيد ولايتناقض فيه ماأتى به الوحى مع ماقاله فلاسفة اليونان الكبار وخاصة أفلاطون وأرسطو  . ولعلنا نفهم الآن لماذا كان أول كتاب فلسفى فى العالم الاسلامى هو رسالة الكندى إلى المعتصم بالله فى الفلسفة الأولى ، تلك الرسالة التى أزال فيها الكندى كل حجج الرافضين للفلسفة ومنتقديها من غلاة الفقهاء فى العالم الاسلامى متهما إياهم بأنهم فى هجومهم على الفلسفة والميتافيزيقا إنما يتاجرون بالدين ولايفهمون أن ما أتى به عقل هؤلاء الفلاسفة الكبار إنما يدعم ويؤكد صدق ما أتى به الشرع ولايتناقض معه . إن الميتافيزيقا اذن ليست بعيدة عن الانسان ولاعن تساؤلاته الجوهرية حول حقيقة الوجود.

إن الإنسان فى رأيى كائن  ميتافيزقي، جُبل على أن يفكر شاء أم أبى فى الما وراء والتساؤل عن ما وراء الحقائق العلمية أو المادية. ومنذ فجر التاريخ وإلى الآن، فأهم ما يشغل الإنسان حتى الطفل الصغير هو : من أين جاء وإلى أين سيذهب بعد الموت، هذا هو السؤال الميتافيزيقى الذى فجر ينابيع الإبداع منذ أولى الحضارات المصرية القديمة وحتى الآن.

تتعدد الإجابات على هذا التساؤل، وتدور حوله أبحاث العلماء وتأملات الفلاسفة وهنا تبدو مشروعية الميتافيزيقا، وهنا ندرك أنه لا غنى لنا عن أن نقرأ تأملات الفلاسفة ونتائج أبحاث العلماء وخاصة فى عصرنا الحالى الذى تجاوز مادية  الجسم وصلابته وأدرك أنه لا صلابة هناك وإنما موجات وذبذبات فيما دون الذرات. إنه حتى فى الأبحاث العلمية المعاصرة ذاتها توجد الميتافيزيقا رغم أنف منتقديها من العلماء .

إن الحديث عن « الميتافيزيقا « أيها القارئ العزيز لم يعد حديثًا فى المجهول، بل أصبح حديثًا فيما وراء كل « معلوم « ! إنه لم يعد ترفًا عقليًا تأمليًا يقتصر على الفلاسفة الخُلص، بل هو حديث ينبغى أن يتفاعل معه كل إنسان أيًا كان، فالانسان بماهو انسان «كائن ميتافيزيقي»  بطبعه.