رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قامات .. وآهات

 

 

 

  ولد في 23 مارس 1893 في حي الأنفوشي في الإسكندرية،  وألحقه والده بالكُتّاب، وكانت عقدته أنه "بليد" في الحساب، وهو لم يستفد من  الكُتاب إلا في الإلمام بمبادئ القراءة والكتابة بحسب مذكراته، وتوفي  والده وهو في الثانية عشرة، وتزوج وهو في السابعة عشرة، وتوفيت زوجته بعد  ست سنوات تاركة له إبن ً «محمد» وابنة «نعيمة» ويضطر للزواج مرة أخرى،  ويفاجأ ذات يوم بالمجلس البلدي يحجز على بيته، ويطالبه بمبلغ كبير كعوائد،  ويرفع" راية العصيان" بقصيدة "بائع الفجل" جعل فيها المجلس أضحوكة، وتنشر القصيدة في  الصفحة الأولى بجريدة «الأهالي» وتحدث دوياً هائلاً، دأب بعدها على إصدار  كتيبات صغيرة بها مختلف الانتقادات الاجتماعية، وترك التجارة واهتم بتأليف  الشعر، ثم اتجه إلى الزجل.

سمي محمود محمد مصطفى بيرم ب"التونسي" لأن جده لأبيه كان تونسياً ، وقد عاش طفولته في حي الأنفوشي بالسيالة ، وهجر التعليم في سن مبكر وانكب على القراءة وخاصة الشعر الذي شرع في كتابته بالعامية, وكان ذكياً يحب المطالعة تساعده على ذلك حافظة قوية ، فهو يقرأ ويهضم ما يقرؤه في قدرة عجيبة .

مدح أحمد شوقي زجله بقوله: هذا زجل فوق مستوى العبقرية،و قال عنه  الدكتور طه حسين: أخشى على الفصحى من عامية بيرم، واعترفت جامعات أوروبا  بموهبته الأصيلة وفنه الرفيع، وقامت بتدريس آثاره الفكرية والشعرية.

ويكتمل ارتشاف الطفل من الفن والأدب  عندما يسكن في منزلهم أستاذ تركي اسمه محمد طاهر، وقد رأي في بيرم ميله  للشعر فأهداه كتاباً في فن العروض، وكان هذا الكتاب نقطة تحول في حياته فما  كاد يقرأه حتي بدأ محاولاته في عمل بعض الأزجال والأشعار.

  ويقرأ بيرم  وهو في السابعة عشر كتاب في الصوفية لمحيى الدين بن عربي، وما إن قرأ  الكتاب وحل ألغازه حتي بدأ يبحث عن كتب أخري من هذا النوع فاشتري كتبًا؛  للمقريزي والغزالي والميداني، وقرأ في الأدب الشعبي لعبدالله النديم، وحفظ  أزجال الشيخ النجار والشيخ القوصي، وحاول تقليدها

أصدر مجلة " المسلة" في عام 1919م وبعد إغلاقها أصدر مجلة "الخازوق" ولم يكن حظها بأحسن من حظ المسلة .

نفي إلى تونس بسبب مقالة هاجم فيها زوج الأميرة فوقية ابنة الملك فؤاد ، ولكنه لم يطق العيش في تونس فسافر إلى فرنسا ليعمل "حمّالاً" في ميناء مرسيليا لمدة سنتين ، وبعدها استطاع أن "يزوّر" جواز سفر ليعود به إلى مصر ، فيعود إلى أزجاله النارية التي ينتقد فيها السلطة والاستعمار آنذاك ، ولكن يلقى عليه القبض مرة أخرى لتنفيه السلطات إلى فرنسا ويعمل هناك في شركة للصناعات الكيماوية ولكنه يُفصل من عمله بسبب مرض أصابه فيعيش حياة ضنكاً ويواجه أياماً قاسية ملؤها الجوع والتشرد ، ورغم قسوة ظروف الحياة على بيرم إلا أنه استمر في كتابة أزجاله وهو بعيد عن أرض وطنه ، فقد كان يشعر بحال شعبه ومعاناته وفقره المدقع.

وفي عام 1932م يتم ترحيل الشاعر من فرنسا إلى تونس لأن السلطات الفرنسية قامت بطرد الأجانب فأخذ بيرم يتنقل بين لبنان وسوريا ولكن السلطات الفرنسية قررت إبعاده عن سوريا- لتستريح من أزجاله الساخرة واللاذعة -إلى إحدى الدول الأفريقية ولكن القدر يعيد بيرم إلى مصر عندما كان في طريق الإبعاد لتقف الباخرة التي تُقلّه بميناء بورسعيد فيقف بيرم باكياً حزيناً وهو يرى مدينة بورسعيد من بعيد ، فيصادف أحد الركّاب ليحكي له قصته فيعرض هذا الشخص على بيرم النزول في مدينة بورسعيد ، وبالفعل استطاع هذا الشخص أن يحرر بيرم من أمواج البحر ليجد نفسه في أحضان مصر,  بعدها أسرع بيرم لملاقاة أهله وأسرته ، ثم يقدم التماساً إلى القصر بواسطة أحدهم فيعفى عنه وذلك بعد أن تربع الملك فاروق على عرش مصر فعمل كاتباً في أخبار اليوم وبعدها عمل في جريدة المصري ثم في جريدة الجمهورية.

وللراحل العديد من الصولات والجولات مع نجوم الفن والمغنى، فيكفى أنه غنى من كلماته فنان الشعب سيد درويش وكوكب الشرق أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، والعديد من النجوم الآخرين.

        وكان أن التقى بيرم بسيد درويش فألف له عددا من الأغاني ذات الطابع السياسي التي حوت انتقادات للأسرة المالكة.

ومع اندلاع ثورة عام 1919 كان بيرم من أشد المؤيدين لها وكتب قصائد منها "البامية الملوكي والقرع السلطاني" والتي أدت إلى غضب الملك فؤاد فأصدر مرسوما بنفيه إلى تونس.

        وكانت تربطه العديد من الصداقات فى الوسط الفنى، ظل معهم حتى أيامه الأخيرة، ولم يشيعه غيرهم، ومنهم "الشاعر الكبير الراحل أحمد رامى، ومحمود الشريف ومحمد القصبجى، ورياض السنباطى، والشيخ زكريا أحمد"، والأخير كان بطلا لأخر خلافات بيرم التونسى قبل وفاته.

        ويروى الأديب محمد كامل البنا فى شهاداته عن  الأيام الأخيرة فى حياة بيرم ,  كما نقلها الكاتب حنفى المحلاوى فى كتابه "الأيام الأخيرة فى حياة هولاء"، إن بدايات عام 1960 شهدت نشوب خلاف كبير بين الصديقين الملحن الكبير الشيخ زكريا أحمد، والشاعر بيرم التونسى أدى إلى قطيعة فترة من الزمن، وصل بينهما إلى ساحات القضاء، وحكم القضاء لصالح زكريا أحمد، وبعدها عادت المياه إلى مجاريها والتقى الأخوان متحابين، على حد وصفه الكاتب، دون توضيح أسباب الخلاف.

        وبعد انتهاء الخلاف بينه وبينه الشيخ زكريا، كان الأخير، ينهى خلافا جديدا أيضا مع كوكب الشرق أم كلثوم بعد خصام دام لسنوات طويلة، فقررا الثلاثى أن يتعاونا من جديد فى واحدة من أروع ما غنت "ثومة" أغنية "أهو ده اللى جرى".

        ويكمل "البنا" حديثه، بأن ذلك التعاون ما إن تم وسرى الخبر فى الوسط الفنى بسرعة كبيرة، بأن بيرم كتب أغنية جديدة لأم كلثوم ويقوم بتلحينها الشيخ زكريا أحمد، وتغنت بها بالفعل أم كلثوم بعدها بـ 6 أشهر، ونشرت إحدى الصحف القومية كلماتها قبل موعد غنائها بيوم واحد.

        الغريب - والحكاية لا تزال على لسان "البنا" - أن بيرم اتصل به الساعة الحادية عشرة مساء أحد الأيام على غير عادته، وفى وصوته رنة حزن وأسى، وعبر له عن حزنه لأن مندوبا من الجريدة اتصل يخبره أن شابا من مدينة بورسعيد راسلهم وأخبرهم أنه مؤلف الأغنية الأصلى وأنه كان أرسلها لـ بيرم منذ شهرين، فانتحلها لنفسه وأعطاها لأم كلثوم، وهو ما أغضب "بيرم" بشدة، وأكد للمندوب أنه ألفها وأرسلها وأطلع عليها الكثيرون منذ عدة أشهر، وكان ذلك قبل أيام قليلة من وفاة بيرم التونسى، على إثر إصابته بالربو.

        و فى 5 يناير 1961،  يودعنا بيرم عن عمر ناهز 67 عاما، بحى السيدة زينب بالقاهرة.

 

[email protected]