رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قامات.. وآهات

قضيته العقل, آمن به وربط بينه وبين التنوير برباط وثيق,فالعقل يمثل التقدم والقوة الخلاقة المبدعة, والإبتعاد عنه بل والسخرية منه تعنى الدمار الشامل.

كان يأسف لاهتمام الغرب الكبير بفلسفة ابن رشد، واعتماده عليها في بناء النهضة، في الوقت الذي أهمل فيه الشرق هذه الفلسفة وأساء إليها، على الرغم من أنها، تقف على قمة الاستنارة والعقلانية.

هكذا كان ينظر الدكتور عاطف العراقي، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة، إلى أستاذه ابن رشد، الذي طالما وقف مدافعًا عن فلسفته برؤية عصرية، معتبرًا أن أغلب ما كتب عنه ـ حتى في أطروحاتنا العصرية ـ أساء إليه إساءة شديدة،  مكررا ـ في أكثر من مناسبة ـ "أننا أسأنا لأنفسنا كعرب حينما تجاهلنا ابن رشد، بالرغم من أنه فيلسوف عربي أندلسي".

انتقد، في إحدى لقاءاته التليفزيونية، فيلم المخرج المصري يوسف شاهين (المصير)، معتبرًا أنه سجل حياة ابن رشد دون أدنى درجة من الدقة والمصداقية. واعتبر أنه يأتي ضمن الإساءات المتكررة لحياة هذا الفيلسوف العربي.

عرف عن العراقي حرصه على التزام قيم ومبادئ لا يحيد عنها، وعلى رأس هذه القيم والمبادئ تأتي فكرة التنوير التى اتخذ منها نبراسًا لجهوده وأعماله الجليلة في ميدان الفلسفة العربية، واهتم في الفترة الأخيرة بأن يخرج من مجال الفلسفة المتخصصة إلى مناقشة الفكر الموجود في المجتمع. وكان انحيازه واضحًا للفكر العلمي العقلاني.

كان يرى ضرورة الانفتاح على الثقافات المختلفة، وألا نكتفي بالثقافة الداخلية، منتقدًا التخوف الشديد من مفهوم "الغزو الثقافي" الذي رآه مبالغًا فيه بدرجة كبيرة، حيث أشار إلى أنه ليس من الضروري القول بوجود تعارض بين الحضارة الغربية والقيم البناءة.

واعتبر أنّ من يهاجمون الحضارة الغربية إنما يركزون على القول بأنها تعد إفسادًا للأخلاق وهدمًا للبشرية‏,‏ أما من يدافعون عنها فهم يذهبون - على عكس الفريق الأول - إلى القول بأن الحضارة الغربية تمثل الفكر المستقل والحر‏,‏ وكلا الأمرين ينبغي النظر فيه.

 ظل العراقي طوال حياته يؤمن بأن تأسيس مشروع حضاري للأمة العربية، ينبغي أن يكون قائماً على العقل، بحيث نطرد من خلاله كل فكر رجعي، ونحذف تماما كل فكر لا معقول، يعبر عن التخلف لا التقدم، لهذا السبب فإن التقدم يدور وجوداً وعدماً مع العقل .

على هذا أخذ العراقي يدعو إلى الانفتاح على العالم والمشاركة في ثقافة العصر بكل تياراتها، وقد أعطى أولوية للترجمة، باعتبارها نافذة ضرورية لمتابعة كل جديد في حركة العلم، وملاحقة ثوراته المتتابعة من ناحية، والإفادة من الآداب، والفنون العالمية من ناحية أخرى، ولذا كان يرفض مقولة الغزو الثقافي .

فرض العراقي على نفسه عزلة اختيارية، بعد أن قضى عمره رافضًا الزواج، مكتفيًا بالاعتكاف داخل صومعته الفكرية، وكان يهرب من الأضواء ويرفض اللقاءات التلفزيونية، وكان مثل العقاد في حبه للشاعر المتشائم ابن الرومي، وكان عقلانيًا ممتد الأصول إلى أستاذه الأول ابن رشد، ثم أستاذه الثاني المفكر الدكتور زكي نجيب محمود.

وللمفكر الكبير عاطف العراقي العديد من المؤلفات في الفلسفة الرشدية، منها كتاب: "العالم في فلسفة ابن رشد"، وكتاب: "الفيلسوف ابن رشد مفكرًا عربيًا ورائدًا للاتجاه العقلي"، وكتاب: "النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد"، وكتاب: "المنهج النقدي في فلسفة ابن رشد"، وكتاب: "ابن رشد فيلسوفًا عربيًا بروح غربية"، إضافة إلى "الفلسفة الطبيعية عند ابن سينا"، و"مذاهب فلاسفة المشرق"، و"تجديد في المذاهب الفلسفية والكلامية"، و"ثورة العقل في الفلسفة العربية"، و"تحقيق كتاب الأصول والفروع لابن حزم".

أنفق الفليسوف عاطف العراقى حياته كلها مدافعا عن التنوير الذى يقوم على تقديس العقل والإيمان , وذاب عشقا فى الفليسوف العربى العظيم "إبن رشد" الذى حقق له المعادلة" فليسوف عربى بروح غربية", ووصفه بأنه أعظم وآخر فلاسفة العرب , وطالب بضرورة الإستفادة منها على صعيدنا العربى , لأن أوربا سبقنتا ووصلت إلى أعلى درجات التقدم باتباع منهجه.

ويتساءل "العراقى" بسخرية لا تخلو من المرارة كيف نبحث عن حلول لمشاكلنا الكثيرة فى الوقت الذى قدم فيه"إبن رشد" مفاتحا سحريا  يساعدنا على الخروج من أزماتنا منذ أكثر من ثمانية قرون

والغريب أن" العراقى" حوكم بسبب ابن رشد الذى عشقه..  يقول عن المحاكمة.

هي مأساة ومعركة كان سلاحي الوحيد فيها القلم والغريب أن التهمة كانت "التفكير" وانتهت بوقوفي أمام محكمة جنايات المنصورة في الخامس عشر من مارس 1995 وكانت أول محاكمة في التاريخ العربي لأستاذ تخصص في الفلسفة وكأني أصبت بلعنة ابن رشد ولكن ذلك لم يثنني عن مواصلة عشقي لهذا الفيلسوف العظيم.

إذن وقف أستاذ الجامعة د . عاطف العراقي أمام النيابة تسأله عن فكره وحريته ورسالته، باعتباره كما يقول -الكاتب فايز فرح- أحد رواد الفكر الحر المستنير القلائل في مجتمعنا العربي، فهو لم يكن يعيش في برج الفلسفة العالي، بعيداً عن الناس، بل فعل كما فعل سقراط في القرن الخامس قبل الميلاد، عندما أنزل الفلسفة لتبحث مشكلات الناس ومعاناة رجل الشارع، كان العراقي مشغولاً بهموم الإنسان في كل مكان، يريد أن يفتح المنافذ التي يمكن عن طريقها أن يحقق حريته وتقدمه وازدهاره، وهو صاحب رسالة، لا يهمه ما يتعرض له من صعوبات ومشكلات من أجل رسالته العقلية الإنسانية

كانت كتابات العراقي مثالاً للتسامح وقبول الآخر، ومن ضمن القضايا التي تناولها دور الثقافة المسيحية في الثقافة العربية، فطبقاً لرؤيته كانت هناك بصمات واضحة وإسهامات كبيرة للرؤية المسيحية في مجال الثقافة العربية، فالتعرف إلى ثقافتنا الحديثة والمعاصرة وتحليل جذورها لا يمكن تصوره إلا من خلال شركاء الوطن والإنسانية، ولذا كتب عن يوسف كرم كمؤرخ للفلسفة ودارس للفكر العربي من منظور تنويري، وأكد أهمية الأب الدكتور جورج قنواتي، المفكر والعالم واللاهوتي، باعتباره يمثل الانفتاح على فكر الآخرين .

رحم الله الدكتور عاطف العراقى-الذى وافته المنية أثناء إلقائه لمحاضرة بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية بالزمالك يوم الأربعاء التاسع والعشرون من فبراير 2012- بقدر ما أعطى لوطنه وما قدم لطلابه ونفعنا المولى عز وجل بعلمه وعوضنا خيرا عن رحيله.
[email protected]