حكاية وطن
التقيت مع مجموعة من الأصدقاء بعد أن فرقتنا «كورونا»، وبدون اتفاق سيطرت قضية «طفل المرور» على الحديث الذى امتد عدة ساعات، وانتهى بعد منتصف الليل، وتخلله بعض الانقطاع بسبب الشاى والقهوة التى كان يقدمها لنا عم عطا، وبعض من حلوى المولد والمهلبية التى يعشقها بعضنا.
الحديث كان وديا للغاية. وضعنا مصلحة الوطن فى المقدمة، واتفقنا جميعا على أن القضاء المصرى الشامخ كان وسيظل حصن العدالة وملاذ كل مظلوم، واستقلاليته وحيدته لا يستطيع أحد التدخل فيها أو توجهيها، ويؤدى هذا الدور رجال أجلاء، يتعبدون فى محراب العدالة، ويقيمون العدل فى الأرض بضمائر حية، فى تطبيق القانون الذى يقف أمامه الجميع على قدم المساواة، ويخضعون له.
كما اتفقنا على أن الشرطة هى الحارس الأمين على مقدرات هذا الشعب فى حماية استثماراته وتأمين يومه وغده، واطمئنانه على روحه، وتطبيق الانضباط والربط، وهى فى خدمة الشعب، تسهر على حفظ النظام العام والآداب العامة، وتلتزم بما يفرض عليها الدستور والقانون من واجبات، واحترام حقوق الإنسان الأساسية.
وتطرق الحديث إلى الوقفة الوطنية من القضاء والشرطة أيام حكم الإخوان، عندما حاولت «الجماعة» تحويل القضاء إلى قضاء ملاكى يصدر أحكامه بواسطة التعليمات، وفى سبيل تحقيق ذلك نحّت الجماعة النائب العام، وقامت بتعيين نائب عام ملاكى يحصل على التعليمات من مكتب الارشاد، ولإحكام سيطرة الإخوان على القضاء، أصدر «مرسى» إعلانًا دستوريًا لتحصين قراراته من الطعن، كما حاول الإخوان تخفيض سن عمل القضاة للتخلص من شيوخ القضاة، وحاصروا المحكمة الدستورية العليا لمنع القضاة من مباشرة أعمالهم، كما حاول الإخوان تفكيك وزارة الداخلية للاستعانة برجالهم فى القيام بدور الأمن من وجهة نظرهم، وتحويل رجال الشرطة إلى مرتزقة يعملون بالتعليمات وليس من خلال القانون.
هذا الوضع الذى كان الإخوان يسعون إلى تطبيقه تم إفشاله عندما ثار القضاة ووقفوا صفا واحدا فى وجه الجماعة دافعوا عن صروح القضاة، وعن نزاهتهم، ورفضوا أن يحكموا بالتعليمات، كما انحازت الشرطة إلى الشعب وانزاحت الغمة، واحتفظ القضاء بهيبته ونزاهته، وعادت الشرطة المصرية لتأمين الشعب المصرى وحماية رغبته فى التخلص من الجماعة الإرهابية وتحقق ذلك بفضل القوات المسلحة التى التحمت مع الشعب والشرطة وعادت مصر للمصريين.
هذه المواقف لن ينساها جماعة الإخوان الإرهابية، وقرروا الرد عليها عن طريق نشر الفتن والوقيعة بين السلطات، وكانت قضية «طفل المرور» إحدى محاولاتهم للوقيعة بين الشرطة والقضاء، واتفقنا خلال اللقاء على أن مصر فى عهد «السيسى» غير مصر خلال فترة حكم الجماعة، فالقانون حاليا يطبق على الجميع، وأشدنا خلال اللقاء علي بيان نادى القضاة الذى رفض فيه أى تجاوز وعلى قرار النائب العام الذى أمر بالتحقيق فى الواقعة كأى قضية عادية، وهذا ما يحدث فى مصر حاليا، عندما يعلو العدل، ويتم وضع نجل قاضٍ فى رعاية الأحداث، ويحال إلى الطب الشرعى لإجراء تحليل مخدرات فهذه العدالة معصوبة العينين، يعاقب من خلالها ابن الأكرمين إذا أخطأ، وفى ذلك اقتداء بعدل عمر بن الخطاب، كما أننا لن نكون القوم الذين إذا سرق فيهم القوى تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد.
عم «عطا» قطع الحديث، وسألنى سؤالا خاصا يعنى يا بيه مفيش قانون «سكسونيا» قلت له ياريتك جلست معانا، بدال ما أنت وجعت معدتى من الشاى والقهوة بتاعتك، وسألته ماذا تعرف عن قانون سكسونيا، قال أنا سمعتها كده، وأجبته قائلا فى دولة 30 يونية لا يوجد شيء اسمه قانون سكسونيا، وعلى العموم سوف أشرحه لك ليكون عندك فكرة عنه.
«سكسونيا» يا عم عطا كانت إحدى الولايات الألمانية القديمة،واعتمدت حاكمة الولاية خلال القرن الخامس عشر قانونا يفرق بين الناس فى العقوبة وفق طبقتهم الاجتماعية، فكان يجرى تنفيذ عقوبة الإعدام للقاتل إذا كان من عامة الشعب، وذلك بأن تقطع رأسه، أما إذا كان القاتل من طبقة النبلاء، والأغنياء فكان يتم تنفيذ الإعدام بطريقة غريبة إذ كان يؤتى بالقاتل ليقف فى الشمس وكان يتم قطع رقبة ظله بما يعنى أنه إعدام معنوى، وكان يتم جلد السارق من عامة الشعب بجلد ظهره أما السارق من النبلاء فكان يؤتى به إلى الشمس لجلد ظله!!
وكانت «سكسونيا» يا عم عطا تشتهر خلال القرون الوسطى بمنتجات الخزف والصينى مما جعل باعة الروبابيكيا فى مصر يستخدمون النداء المعروف «سكسونيا»، ضحك عطا، وقال هو كده!!
انتهى اللقاء فى صباح اليوم التالى، ونحن فخورون بقضائنا وشرطتنا، على حسن تعاملهما مع القضية التى جددت ثقة الشعب فى الصرحين الكبيرين، وجعلتنا نكبر أكثر أمام العالم لأننا لا نطبق قانون سكسونيا، وأن الكبير والصغير مصر أمام القانون سواء.