رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

قرأت قبل يومين «مرثية» فلسطين لصديقى المثقف الجميل والوديع الدكتور مصطفى عبدالرازق، وبصدقه الفكرى والوطنى المعهود فقد كتب متألمًا وآسفًا لقرب موت القضية الفلسطينية وانزوائها فى غرف مغلقة بالذاكرة العربية والعالمية.. وفى تصورى أن السؤال الآن لم يعد– هل ماتت القضية أم لا؟ وإنما إلى أى مدى يمكن أن نتكيف مع فراق فلسطين الوطن والقضية، التى تجمل بالدفاع عنها كثيرون لإخفاء قبحهم المستتر تحت طبقات من الجبن والخسة وأحيانا التآمر الصريح.. وبعد ساعات من قراءتى لمقال صديقنا العزيز سألت نفسى: هل ماتت القضية الفلسطينية وضاع الوطن أم ماتت العروبة وضاع العرب؟.. لست بطبيعتى شديد التفاؤل أو من الذين يستغنون عن الواقع بالتمنى، وأميل أكثر إلى حقيقة أن عربات التاريخ وإن أتت متأخرة أحيانًا، إلا أن أجيالًا قادمة ستفرح يومًا وتحتفل بما سيحمله لها قطار التاريخ من بضاعة سرقت من أجدادهم الأوائل– أحيانًا وهم نائمون، وأحيانًا وهم متخاذلون، وكثيرًا وهم يبيعون المستقبل فى حراسة اللصوص الذين سرقوا واغتصبوا..

الحقيقة أن هناك واقعًا جديدًا يتشكل على الأرض فيما يخص ما كان يعرف بالنظام العربى الذى ولد مشوها فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبعد أكثر من سبعين عامًا يموت بطاعون الفرقة والسلطة وأوهام العروش، ومن المخجل أن يخرج خبر وفاة العروبة من تل أبيب، وتقام أفراح زف العروبة بأكفانها أيضًا فى تل أبيب.. وليس من قبيل سراب الأمانى لو قلت إن فلسطين والفلسطينيين لن يختفوا من خرائط التاريخ والجغرافيا، وأن الكيان الصهيونى وكثير من العروش العربية العنكبوتية ستخرج من التاريخ يومًا ما أمام مشهد جديد لعرب آخرين غير عرب اليوم وعروبة جديدة غير عروبة اليوم.

ربما يكون ذلك فى بدايات قرن جديد أو قبل هذا– ولكن من المهم أن نصدق أن هذه اللحظة لن تضيع.. المحيط العربى اليوم وسياسيًا ليس أكثر من مياه آسنة وصحراء فى صورة مدن حديثة، وشواهد قبور فى صورة قصور حكم، لكن المؤكد أن الشعوب ستظل كالمياه التى لابد أن تستمر فى جريانها بين ضفاف اليأس والإحباط والتراجع المخجل.. إسرائيل الآن فى قمة قوتها لأن العرب ببساطة فى قمة ضعفهم وقاع أمانيهم.. علينا أن نعترف بأن الإسرائيليين نجحوا فى تحويل عواصف حرب أكتوبر 1973 التى اقتلعت الكثير من ثوابتهم، إلى نوع من خمور السلام تدير بها عقول العرب وتأخذهم إلى حيث تريد هى أن يكونوا فى المكان والزمان.. إسرائيل ومعها الولايات المتحدة ومعظم الغرب مدركون للأهمية الاستراتيجية لفصل العرب عن عروبتهم وفصل العروبة عن تاريخها، ثم التأكد من قتل المعانى وانتحار النفوس داخل ابدانها.

حالة التيه العربية الآن غير مسبوقة وأتصور أنها تقربنا جدًا من نزول لوحة النهاية، ولكنها فى الحقيقة ربما ستكون نهاية لإمارات وطوائف وملوك وحكام أكثر منها نهاية لحركة شعوب وقوانين تاريخ.. مصر فى القلب من إقليمها ستظل كيانًا محوريًا ولكن من الفطنة أن نحافظ كبلد على مسافة آمنة بين وجودنا وبين مركز دوامات السقوط الذى يشد إليه الكثير من الراغبين والقليل من المجبرين.. قراءة التاريخ والوعى به مسألة فى غاية الأهمية، وللأسف بعض العرب أقرب لحائط المبكى منهم لقبة الصخرة، ليس رغبة فى البكاء ولكن وهما بالاحتماء. هل هى النهاية المؤلمة.. يومًا ما ستعرف أجيالًا قادمة أن هذه اللحظة من عشرينيات الألفية الثالثة كانت مخاضًا لحالة ولادة تاريخية تصورها أهلها وقتها (نحن الآن) دربًا من دروب المستحيل.