رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاوى

أواصل الحديث عن ثورة 1919 والإرهاصات التى سبقت هذه الثورة العظيمة التي تتشابه تمامًا مع ثورة 30 يونيو، فقد تصدى الإنجليز للطلبة الثائرين، وحصل صدام بين الطلبة العزل من السلاح وبين القوات العسكرية البريطانية وهى تظن أنها قوات تنتمى إلى أكبر إمبراطورية، الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس فى المشارق والمغارب يعنى من كندا إلى أستراليا ومصر وإفريقيا والهند! أطلق الإنجليز النار على الطلبة فهاجت المشاعر وسقط القتلى وقتل الإنجليز نحو 12 طالباً مصرياً واعتقلوا نحو 300 طالب واستيقظ الشعور فى القاهرة بعاطفة قوية فكانت هى الشرارة التى ولدت النار يوم 9 مارس والأيام التالية.

ثم انضم الفلاحون والعمال والتجار والموظفون إلى الطلاب الثائرين، وصارت ثورة وطنية عارمة قطعت فيها خطوط السكك الحديدية، وهوجمت دور الحكومة ومراكزها واحتلها المتظاهرون، وأعلنوا «الجمهورية» فى زفتى والمنيا وأسيوط.

لقد أحست مصر بأن كرامتها تداس وبأن حرماتها تنتهك، فعمت الثورة بلاد القطر كافة، وأخذ الثوار يقطعون خطوط السكك الحديدية التى تستخدمها القوات البريطانية وقدمت بلاد كثيرة التضحيات من أبنائها وممتلكاتها ومنها: زفتى، العزيزية، البدرشين، المنيا، أسيوط، وظلت أعمال الثورة قائمة حتى 4 أبريل 1921 حينما عاد سعد زغلول من الخارج وانتهى نفيه وغيابه عن الوطن.

المفهوم الشائع لتعبير «الوحدة الوطنية فى ثورة 1919» كما يقول سعد عبدالنور هو أنها الوحدة بين الأقباط والمسلمين، ولكنى أطمع فى أن أقنعكم بأن مفهوم هذا التعبير أوسع وأشمل من المفهوم الشائع. فنحن الشعب المصرى نسيج واحد وسبيكة واحدة وأمة واحدة، فالوحدة الوطنية ليست أقباطاً ومسلمين فحسب، بل الوحدة الوطنية هى وحدة الأمة بجميع أحزابها وطوائفها وفئاتها وأديانها.

وقد عبر سعد زغلول أصدق تعبير عن مفهوم الوحدة الوطنية الشامل عندما قال: «الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة»، لأنه استخدم لفظ الأمة للتعبير عن الشعب المصرى بجميع فئاته السياسية والاجتماعية بعد أن كان المصريون يقولون نحن رعايا السلطان العثمانى وكانوا يسافرون بجوازات سفر عثمانية، نجح سعد زغلول فى صياغة واستخدام هذه الكلمة «الأمة» واتفق عليها أعضاء الوفد، ومفهوم هذه الصياغة أننا ننتمى إلى أمة واحدة، والأمة هى مصر.

والأمر فى تقديرى وفى مفهوم ثورة 1919 أن للوحدة الوطنية المصرية فى إطارها الواسع الشامل مفاهيم ثلاثة تنبثق من تاريخ الشعب والوطن.

المفهوم الأول: هو مفهوم الانتماء إلى الأمة المصرية، ومعناه أننا جميعًا من أكبر كبير إلى أصغر صغير، ننتمى إلى هذه الأمة، ونضحى بكل شىء دفاعاً عنها.

والواقع أنه منذ بدء تجنيد الأقباط فى الجيش المصرى سنة 1855 فى عهد الوالى محمد سعيد، اكتمل الاندماج بين المصريين فى واجب الدفاع عن الوطن، ووقف القبطى إلى جانب أخيه المسلم، حاملًا السلاح فى وجه العدو المشترك. وتساوى الاثنان فى حماية الوطن والتضحية من أجله.

وظهر الانتماء الوطنى يعلن عن نفسه فى وضوح خلال الثورة العرابية. فعندما تألف الحزب الوطنى الأهلى- أول تحزب سياسى فى مصر الحديثة- سنة 1879، قبل الثورة العرابية، ذكر فى البند الخامس من برنامجه أنه «حزب سياسى لا دينى، فإنه مؤلف من رجال مختلفى الاعتقاد والمذهب، وجميع النصارى واليهود ومن يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها ينضم لهذا الحزب، فإنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات، ويعلم أن الجميع إخوان، وحقوقهم فى السياسة والشرائع متساوية».  ودخل مجلس النواب، الذى تألف وفقًا لدستور الثورة العرابية فى سنة 1881، نائبان قبطيان. ومنذ ذلك الوقت، برز مفهوم «الانتماء الوطنى» و«الجامعة الوطنية» وبقى علامة من علامات الحياة السياسية المصرية. ولما اندلعت ثورة 1919، اتفق الجميع فى الاتجاه والشعور والعمل: السلطان والأمراء والفلاحون والموظفون والتجار والمثقفون ورجال الدين والفن.

.. وللحديث بقية