عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

تباينت الأصوات مؤخرًا ما بين مؤيد ومعارض لإعادة تنصيب تمثال المهندس الفرنسى فرديناند ديليسبس فى نهاية الممشى الذى يحمل اسمه ببورسعيد عند مدخل البوغاز. وساق كل طرف من الطرفين حججًا ليدعم بها رؤيته الخاصة.

بيد أن الحجج التى ساقها المؤيدون بطريقة وضع السم فى العسل، تستوجب النقاش، وهى:

أننا لابد أن نحترم التاريخ، وأن مصر دولة تعى قيمة التاريخ وتحافظ عليه.

أن أجدادنا هم من أخذوا قرارا بذلك وعلينا أن نحترم قراراتهم، ونعيد التمثال إلى قاعدته.

أن التمثال كان قائمًا حتى عام 56، حين أنزله شعب بورسعيد عن قاعدته عقب العدوان الثلاثى على مصر.

أن أجدادنا عملوا بنظام السخرة فى بناء السد العالى مثلما عملوا بالسخرة فى حفر القناة.

ولإثبات وهن هذه الحجج علينا توضيح ما يلى:

إن أصحاب الفكرة الأصلية لتوصيل البحرين الأحمر بالمتوسط هم المصريون القدماء وليس ديليسبس، وهذا مثبت فى كتب التاريخ؛ وجاء العرب بعدهم وطرحوا ذات الفكرة، لكنهم خشوا من تفاوت منسوب المياه فى كلا البحرين، فأعادوا شق قناة تراجان، وعرفت باسم قناة أمير المؤمنين، لتصل الفرع الشرقى للنيل بمنطقة بحيرات القُلزم (التمساح حاليًا).

لم يكن ديليسبس سوى صديق شخصى للخديوى سعيد، جاء إلى مصر حاملًا فكرة المصريين القدماء، فمنحه الخديوى امتياز حفر وتشغيل قناة السويس لمدة 99 عامًا بدءًا من عام 1859م، ليتخلص من فقره بتأسيس شركة مساهمة عالمية لحفر وإدارة القناة.

من شق القناة هم أكثر من مليون نفس من الفلاحين، الذين سيقُوا قسرًا سيرًا على الأقدام من القرى والنجوع لحفر القناة بالمسحاة والكوريك والمقطف، وكان عملهم سخرة بلا أجر، فى ظروف معيشية بائسة، تخلو من الآدمية، حتى دفنت جثث أكثر من مائة وعشرين ألفًا منهم فى قاع القناة وضفتيها، دون رحمة، ودون الوفاء بمستحقاتهم لأسرهم المكلومة.

وليس هناك مجال للمقارنة بين نظام السخرة فى شق القناة وعمل المصريين طوعًا فى بناء السد العالى، وفاءً لوطنهم وتحديًا للعالم ودعمًا للزعيم عبد الناصر، فى ظروف معيشية أكثر كرامة للمصريين، ومع وجود حفارات وكراكات حديثة تعمل فى الحفر وليس بالمسحاة والمقطف، وتحت إشراف مهندسين وطنيين ضحوا بكل ثمين وغالٍ لأجل مصر.

أما حُجة احترام قرارات الأجداد، لأنهم هم من أخذوا قرارًا بتنصيب التمثال فى مدخل البوغاز إنه لأمر يثير الدهشة، فأجدادنا الفلاحون المقهورون عانوا من الفقر والجهل والمرض فى ظل حكم الأسرة العلوية، مع سيطرة إنجليزية على مقدرات البلاد، وبشوات يرفلون فى النعم بمباركة السرايا والمندوب السامى البريطانى عنهم. لقد قرر أجدادنا التخلص من تمثال ديليسبس ردًا على العدوان الثلاثى وليس تنصيبه.

وهناك تمثال فى باريس للأثارى شامبليون وقد وَضَع حذاؤه على رقبة رمسيس الثانى، أعظم ملوك مصر، والملك منبطح أرضًا. فهل لشامبليون الحق فى أن يدوس أعظم ملوك مصر بحذائه لكونه قرأ حجر رشيد؟ هل هناك من عارض ذلك ممن دافعوا عن ديليسبس، وقالوا لحكومة فرنسا-التى تحرص على إبراز السيادة بكل أشكالها-عليك مراعاة مشاعر المصريين والعلاقات التاريخية مع مصر؟

ألم نر مؤخرًا ثورة الزنوج من الأمريكيين والبريطانيين على رموز الاستعمار، فحطموا تماثيلهم فى ميادين بريطانيا وأمريكا؟ حدث هذا لأنهم فى الغرب يقرأون التاريخ ويعون دروسه، فثاروا على من قتلوا مئات الملايين من الأفارقة والهنود الحمر وشردوهم من أوطانهم، من أمثال فاسكوداجاما وأمريجو فيسبوتشى والمجرم الأمريكى جيمس ماريون سيمز وغيرهم.

إن تاريخ الاستعمار فى بلداننا مُخضب بالدماء، ولا يستوجب تكريم رموزه، فلا يجوز أن يقع نظر الداخل إلى مصر من بوغاز بورسعيد أول ما يقع على رمز أجنبي؛ وكأن مصر خلت من رموزها الوطنية.

فلنضم صوتنا إلى صوت د.سمير فرج بأن ننصب عند مدخل البوغاز تمثالًا للفلاح المصرى وهو يحمل مسحاته على كتفه ورأسه معصوبة ومرفوعة للسماء!

كاتب ومؤرخ