رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صكوك

 

 

مازالت تلك نظرتى للموت.. طوابير من الناس بعيون زائغة وقلوب مرتجفة تدعى أنها قوية صامدة ولا تهابه وتنتظره بكل امتنان وشجاعة.. وتنكشف تلك الشجاعة المهلهلة مع مرض أو ارتفاع بدرجة الحرارة.

كنت صريحا مع نفسى وغيرى؛ أنا أكره وأخشى الموت وأخشى حتى النزول إلى القبر لدفن أقرب الناس لى فى الوقت الذى تتصدر فيه الرؤوس وتعلو الأصوات للزج بأقرب الناس إلى الميت للنزول إلى القبر ودفنه مع التربى..

ومع بداية هذا العام الغريب ٢٠٢٠ اكتشفنا أن تلك الطوابير لا يطول الانتظار فيها وأن الموت الجماعى لا يأتى فقط من سقوط دولة فى مستنقع الحرب أو الإرهاب وأن الوباء هو الأسرع فى خطف الأرواح دون فرقعة أو دانات حروب.. لم أدعِ يوما الخشية على أولادى من الفقر بعد موتى.. الله وحده هو المتكفل بى وبهم.ولكن أخشى الذنوب. ثلاثة أشهر فقدت خلالها خمسة زملاء من جريدتى الوفد ومع كل خبر وفاة كنت أتفاجأ رغم علمى أنه يأتى فى أى وقت دون إنذار..

أعددت هذا السيناريو للحظات موتى.. كنت متعجلا وأقود بسرعة هائلة حتى أنتهى من عملى بسرعة ثم أتجه إلى النقابة لتكريمى وحصولى على جائزة النقابة، ورغم تحذيرات زوجتى لى ليل نهار من القيادة بسرعة إلا أن الوقت غير كافٍ للنصائح.. وفجأة خرجت شاحنة على الطريق لم أستطع التحكم فكان ارتطامًا هائلًا تحولت خلاله سيارتى إلى كرة من الصفيح وأنا بداخلها كرة من اللحم والدماء.

السيناريو الثانى استطعت السيطرة على سيارتى حين فاجأتنى الشاحنة وأكملت مسيرتى وأنا فى الطريق تذكرت صديقًا لى فى المستشفى فاتصلت بالجريدة أطلب منهم إجازة وقررت زيارة صديقى وبعدها أتوجه إلى النقابة، بالفعل قمت بزيارته وكنت مشتاقًا لرؤيته فسلمت عليه بحرارة وقبلته وفى نهاية الزيارة كشف لى السر الذى لا يريد أن أقوله لأحد بأنه مصاب كورونا..

وقتها صدمت وتوجهت إلى منزلى ولم أحضر حفل النقابة وطلبت من أسرتى عدم دخول حجرتى لمدة أسبوعين ولم تفلح معى أسطوانة الأكسجين حين توقفت الرئة.

والسيناريو الثالث استطعت إنقاذ الموقف والإفلات من الموت المحقق داخل السيارة وتوجهت بالفعل إلى المستشفى لزيارة صديقى الذى كشف لى من أول لحظة دخولى أنه مريض كورونا ولابد أن أحترس فى التعامل معه وفى بيتى دخلت فى موجة تعقيم وبذلك أفلت من كورونا واتصل بى صديق يستنجد من تنفيذ قرار إزالة البرج الذى قام بشراء شقة به ودفع كل ما يملك فيها، توجهت إلى صديقى أقف معه فى محنته أواسيه وأثناء وقوفنا أمام الأوناش وأدوات الهدم سقط على رأسى حجر وانتهت حياتى فى لحظة.. أما العزاء فاقتصر على صفحات الفيسبوك ورسائل الواتس آب ومكالمات المحمول.. هى دى الدنيا.. عداد وأرقام وأنفاس تتوقف بدون حدود مهما كانت الجولات والانتصارات.. بعدها ينسى الإنسان مهما كان قرب أو حب المرحوم.