رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

نحن لم نعد على قيد الحياة ؛ بل على قيد الفناء؛ وخاصة مع مايدور حولنا منذ ما أصابنا من هول جائحة كورونا على المستوى الاخلاقى ؛وتعاملنا مع كبار السن ؛ لذلك أجدنى أعود ادراجى الى خاتمة كتاب «على قيد الفناء: الطب والمهم فى النهاية» Being Mortal: Medicine and What Matters in the End ، لصاحبه أتول جواندي:( لقد أخطأنا فى تحديد طبيعة عملنا بوصفنا أطباء، فقد اعتقدنا أن عملنا هو أن نضمن صحة الناس وبقاء حياتهم. غير أن مهمتنا فى الواقع أكبر من ذلك بكثير. إنها تمكين الناس من الحياة السعيدة.).

وفى الواقع إن كتاب أتول جواندى يعزف على نواح شتى فى هذا الموضوع من خلال كتابه لكونه جراحا أمريكيا وكاتبا وباحثا فى الصحة العامة، وممارسا للجراحة العامة ومتخصصا بجراحة الغدد الصماء فى مستشفى بريقهم ومستشفى النساء، وهو بروفيسور فى قسم السياسة الصحية فى جامعة هارفرد للصحة العامة وفى قسم الجراحة فى جامعة هارفرد الطبية ، ويرأس جمعية لايف بوكس وهى جمعية خيرية لتقليل حوادث الوفيات فى العمليات الجراحية حول العالم. وأجمل مافى الكتاب أنه تأمل فى الكيفية التى يمكن للناس أن يعيشوا بها بشكل أفضل مع الضعف العام الذى يصلون إليه كبر السن ، أوالمرض الخطير ، والاقتراب من الموت. يدعو جاواندى إلى تغيير الطريقة التى يتعامل بها الأطباء مع المرضى ؛ ويوصى بأنه بدلاً من التركيز على البقاء ، يجب عليهم العمل على تحسين نوعية الحياة. ويطرح جواندى قصصًا شخصية عن تجارب مرضاه وأقاربهم ، وحقائق الشيخوخة ، والأسر المنهكة ،والوحدة وفقدان الاستقلال ؛ يؤكد جاواندى على فكرة منح الأشخاص الذين يقتربون من الموت الفرصة ليعيشوا حياة ذات معنى ولا يزال لديهم غرض. وهو يرى إن للحياة وجها مأساويا لا فر منه، وهو أننا نتقدم فى العمر منذ ولادتنا».

إننا باختصار مخلوقات تشيخ وتموت، والطب يقف مكتوف الأيدى أمام هذه الحقيقة المطلقة. والمثير للتأمل أنه يُبكت فكرة استقلالية الذات، فنحن كائنات تحتاج الى الأخر، ويبدو هذا فى مرحلة الشيخوخة، حيث يصير المرء فى حاجة إلى من يساعده على تناول الأكل، وارتداء الثياب ؛ وبالتالى التغنى بالفردانية فى المجتمعات الغربية انعكس سلبيا على كبار السن ( وذكرنى ذلك بموت جميع مرضى كورونا فى أحد دور المسنين بأسبانيا بعد أن تركوا بلا مساعدة)؛ وهذا الأمر عكس ما كان عليه الوضع قديما، حيث يحظى الشيوخ بمكانة اعتبارية مميزة. أما اليوم، فالناس ينكرون أعمارهم مخافة أن يبتعدوا عنهم. لقد كانت العائلة الممتدة قديما مؤنسا للشيخ، بل إنه مدبر شؤونها إلى آخر يوم فى حياته. أما اليوم، فالطب يحاول أن يلعب دور العائلة، دون أن يكون هو الآخر قادرا على نفى حقيقة الشيخوخة ومن ثمة الموت.

ويؤكد أتول من خلال تجربته أن ما يرعب الشيوخ ليس هو الموت نفسه، وإنما هو ما يحدث قبل الموت؛ فالواقع الغربى يحكمه منطق التخلى عن المسن، وإيداعه دور المسنين، وهذا ما يثير الرعب فى نفس كل من تقدم به العمر، ولم يعد قادرًا على مباشرة حاجاته بنفسه. الأخطر من ذلك، هو أن دور المسنين وأقسام المستشفيات التى تتكلف بهذه المهمة لم توجد من أجل المسنين أنفسهم، بل وجدت من أجل أبنائهم، كما أن الربح لديهم يتحقق بموت المسن، وربح سرير إضافي. وللأسف أن القائمين بها يهتمون بالنزيل من حيث هو جسد، لا من حيث هو روح وإنسان، مهمتهم أن يأكل ويشرب، ويلبس، ولا يقتربون من مشاعرهم واحاسيسهم.!؛ رغم أنه من الأهمية بمكان أن يكون التركيز على الروح أكثر من الجسد؛ وجعل حياة نزلاء دور المسنين أفضل، بأن نترك لهم حرية التخطيط ليومهم، وبإدخال بعض العناصر الحياتية على نمط عيشهم، كالحيوانات الأليفة والنباتات، لكسر الحاجز الواقع بين المصحة والبيت. وفى الحقيقة أن أهم ما قيل فى هذا الكتاب هو أنه لابد أن نترك للمريض الفرصة لتطوير فكرة حول ما تعنيه الحياة وما يعنيه الموت، دون أن نضعه ضمن قالب جاهز لتصور معناهما.  الى جانب إن السمة الغالبة على العصر هى أن الأجيال باتت تعيش مستقلة عن بعضها، كما أن الإنسان يدرك متأخرًا أن القيمة الحقيقية للحياة تكمن فى الصحة، لكن هذه حقيقة يتم إدراكها بعد فوات الأوان، فكلما انهارت الصحة تلاشى الطموح ؛ ولأن الموت حاصل لا مفر فى آى وقت، لذلك ما يمكن تقديمه ينبغى أن يوجه صوب الروح لا صوب الجسد.