رؤى
من القصص الطريفة الغريبة التى روتها شهرزاد على شهريار فى الليلة السادسة والستين بعد الاربعمائة، قصة ملك من بنى إسرائيل كان يحكم مصر، له ولد اسمه «بلوقيا»، فى مقال الأمس فتح خزينة والده وعثر على كتاب رأى فيه صفة النبى محمد «صلى الله عليه وسلم»، وأنه يبعث فى آخر الزمان، والكتاب كان لوالده استخرجه من التوراة وصحف إبراهيم، بلوقيا حسب شهر زاد تعلق قلبه بسيدنا محمد، وقرر أن يبحث عنه ويقابله، استأذن والده وخرج للبحث عنه، وفى مقال الأمس نزل بلوقيا فى احدى الجزر لم تسمها شهرزاد، وكان بها حيات يسبحن لله ويذكرن اسم النبى محمد، وقابل ملكة الحيات وقالت له: «إن اسم محمد مكتوب على باب الجنة، ولولاه ما خلق الله المخلوقات ولا جنة ولا نارًا ولا سماء ولا أرضا، لأن الله لم يخلق جميع الموجودات إلا من أجل محمد، وقرن اسمه فى كل مكان».
بعد هذه المقابلة غادر بلوقيا الجزيرة متجها إلى مدينة القدس، وقابل هناك رجلا يدعى عفان، قيل إنه يتقن الحساب والهندسة والطب والفلك والكيمياء، ويقرأ التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم، ويطلب من بلوقيا أن يقابله بملكة الحيات مقابل أن يرشده إلى قبر سيدنا سليمان ويأخذ من يده خاتمه، فى الليلة السابعة والسبعين يلتقى بلوقيا بسيدنا جبريل شخصيا ويتبادلان الحديث، وجبريل ينصح بلوقيا بالعودة إلى بلدته مؤكدا له إن زمان محمد لم يأت بعد.
وفى الليلة التاسعة والسبعين يلتقى بلوقيا بميخائيل الملك، حسب القصة، الموكل بتصريف الليل والنهار، ثم يلتقى بالملك المسئول عن الأرض وكل أرض خلقها الله، ثم يلتقى مرة أخرى فى الليلة الثانية والثمانين بجبريل، ويفتح له بابا، فى موضع تحت العرش، يقابل فيه ملائكة تسبح ويقولون له: ان هذا مكان تحت العرش، وان هذا البحر يمد كل بحر فى الدنيا، ونحن نقسم هذا الماء ونسوقه إلى الأراضي، المالح للأراضى المالحة، والحلو إلى الأراضى الحلوة، وفى الليلة الرابعة والعشرين بعد الخمسمائة، تنتهى رحلة بلوقيا، حيث يفشل فى مهمته، ويلتقى بالنبى الخضر الذى يعيده فى خطوة واحدة إلى منزله فى مصر..
والحكاية على طولها تشير إلى عدة دلالات، الأولى تأكيد الراوى ان محمداً عليه الصلاة والسلام ذكر فى التوراة والزبور وصحف إبراهيم، والثانية ان رحلة البحث عن محمد تشبه كثيرا رحلة الإسراء والمعراج التى قام بها الرسول عليه الصلاة والسلام، والثالثة ان الملامح التى نسبت إلى محمد بأنه يأتى مع آخر الزمان وقيام الساعة، هى أشبه بملامح المسيح المنتظر، وهو الذى ينتظره اليهود ليخلصهم من الظلم والجور، ويعيد بناء الهيكل، وهذا المسيح غير المسيح الذى يعود فى المسيحية، فالثانى هو ابن مريم، والأول هو البطل الممسوح بالزيت، هذا البطل حسب النصوص التوراتية، هو الملك والنبى والمخلص.