رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

مولانا «جلال الدين الرومي» و«شمس التبريزي» شخصيتان جدليتان كتب عنهما العديد من المفكرين والفلاسفة وأهل الطرق الصوفية، واعتبر الغرب «جلال الدين» شاعر الصوفية الأول فى العالم بعد ترجمة أشعاره التى كتبها وسماها «شمس التبريزي» بلغات عدة منها العربية والفارسية والتركية وتعرض الكاتب التركى «أورهان باموك» الحائز على جائزة نوبل فى الآداب عام 2006 فى رواية «الكتاب الأسود» لقصة «جلال الدين الرومى» وعلاقته بصديقه ورفيقه «شمس»، وكيف أن لهذا الرجل مكانة كبيرة فى تركيا وإيران، وأنه قد أسس لعلم الصوفية وتعرض لقضايا فلسفية جدلية وأيضًا لهجوم ممن يعتنقون طرقًا ومذاهب دينية لا تعترف بهذا النهج الروحانى الذى لا ينفى الحياة ويتعلق بالحب الإلهى المجرد عن القواعد والنواهى والأوامر ويجدد الخطاب الدينى منذ القرن الثالث عشر الميلادى ويقف فى وجه السلطان وواجه الفقهاء المتشددين بالحب والرقص والذوبان فى معية المحبوب الخالق والتوحد والتماهى مع الله، حيث إن الصوفية منهاج تفكير وحياة يختلف أو نتفق معه إلا أنه يجاهد النفس لا يجاهد الآخر.. وكذلك كتبت الكاتبة «إيلاف شفاق» التركية هى الأخرى رواية حققت نسبة عالية من الجماهيرية فى العالم وتُرجمت إلى العربية عن «قواعد العشق الأربعون» متضمنة أيضًا قصة العلاقة الغريبة والحميمة بين مولانا «جلال الدين الرومي» وبين ذلك الدرويش الحائر النورانى من جهة واللاهى من جهة أخرى والغامض فى كل الأحيان والذى تنتهى حياته بالقتل فى بئر لا يعرف قرارها.. ومن هنا كانت تلك المسرحية الرائعة والتى تعرض على مسرح السلام (المسرح الحديث) التابع للبيت الفنى المسرحى، من إخراج المبدع الشاب «عادل حسان» الذى استطاع مع «رشا عبدالمنعم» وفريق الكتابة الدرامية أن يمزج بين الأسطورة والتاريخ والواقع إلى حد كبير، لأن المسرحية ما هى إلا لقطات متتابعة وحوارات ثنائية فى خلفية غنائية استعراضية «للمولوية»، أو ذلك الأسلوب الصوفى للرقصات ذات العمة الطويلة والتنورة البيضاء والدوران فى حلقات تشبه الكون الدائر حول النور الغلهى والأيدى إحداهما تتجه إلى الأرض التى أتينا منها والأخرى إلى السماء التى منها روحنا وإليها تعود تلك الأرواح المحبة لله والتى تذوب عشقًا فى الحب الإلهى ومنه نجد الصوت الآخذ الذى ينشد أشعارًا لـ«الرومى» و«ابن الفارض» و«ابن عربي» و«حسان ابن ثابت» المنشد «سمير عزمي» من ألحان «د.محمد حسنى»، القصة والدراما تعتمد على المشاهد المتفرقة فى حركة دائرية هى الأخرى ما بين الحاضر والماضى ثم العودة إلى الحاضر والحديث عن الماضى ورحلة البحث عن المحبوب والحلم الذى يتحقق فى النهاية والفراق واللقاء والحب البشرى المحمود والمذموم والكراهية والحقد والغيرة والتوبة لمن يريد، لأن النفس البشرية هى التى تحمل بداخلها ضفتى الحياة من خير وشر وملائكية وشيطانية، وأن الجنة والنار فى قلب الإنسان الذى يصل إلى المعرفة بقلبه وليس بعقله وإن كان العقل ميزه عن سائر الكائنات، إلا أنه لا يصل بالمرء إلى غايته الروحانية وحالة الإيمان الخالص ومن يخفف من أحماله وأوزاره هو من يصل إلى نور الله ومعيته.

فى هذا الجو الصوفى وتلك القضية الجدلية عن الدين وعلاقته بالحياة والمجتمع ودور الفقهاء فى مواجهة الظلم والديكتاتورية والفقر والرذيلة نجد أن المسرحية قد تناولت كل القضايا فى لوحة درامية غنائية تحمل الفلسفة الصوفية والقالب الدرامى الاستعراضى ولكن فى ظروف غاية فى الصعوبة لأن مسارح الدولة تعانى من الإهمال الشديد وندرة الموارد المالية بالرغم من أن القائمين عليها يحاولون ويحاربون بالكلمة واللحن والأداء والإصرار على أن تصل الثقافة والمتعة والفن الحقيقى الجاد للجميع...

لدينا ثروات بشرية وفكرية وإبداعية تحتاج إلى رعاية من الدولة ومن المهتمين بالثقافة الحقيقية التى تؤثر وترقى بالشعوب والمجتمعات أكثر من فساتين الفنانات وأشباه الفنانين... «بهاء ثروت» أدى دور «شمس» باقتدار وروعة و«فكرى سليم» فى دور «جلال الدين» وكل الفريق من غناء ورقص وموسيقى وتمثيل وإنتاج، علينا أن نقدم لهم التحية ونطالب بالدعم لجميع مسارح الدولة لإنقاذ ما تبقى من بعض الثقافة.