عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

أظن، وليس كل الظن إثما، أن أي متابع لما جرى الأسبوع الماضي على صعيد مفاوضات سد النهضة والتي عقدت في القاهرة، سيصل إلى صحة ما أكدنا عليه الأسبوع الماضي في هذا المكان بشأن استراتيجية المفاوض الأثيوبي والقائمة على المماطلة والتأجيل من جلسة لأخرى لحين تحقق الهدف الرئيسي المتمثل في إنجاز بناء السد. فإزاء عدم التوصل إلى اتفاق خلال المفاوضات بشأن النقاط الخلافية تم الاتفاق على عقد جولة جديدة 30 سبتمبر الجاري.

بعيدا عن السؤال عما إذا كانت الجولة الجديدة ستسفر عن التوصل إلى اتفاق أم لا، وإن كنا نتمنى أن نصل إلى مثل هذا الاتفاق، فإن التخوف لدينا، كمصريين، هو أن تكون الأمور تكرارا لسابقاتها! رغم ان ذلك قد لا يكون مبررا لفقدان الأمل في التوصل إلى تسوية مرضية لنا، إلا أن حدوثه سيكون بمثابة تسرب لجانب من هذا الأمل، نخشى لو طال أن نجد جعبة الأمل وقد خلت من أي جزء منه.

مبرر هذا التخوف هو تفاصيل مسار الجولة الأخيرة وما جرى فيها فوفقا لمذكرة أصدرتها وزارة الخارجية المصرية، رفضت إثيوبيا «بدون نقاش» المقترح المصري المتعلق بتشغيل السد وقامت بدورها بتقديم مقترح بديل وصفته مصر بأنه «ينحاز بقوة لإثيوبيا ومجحف بشدة بمصالح دول المصب»، خاصة في ضوء التوقعات التي أشارت إليها الخارجية المصرية في مذكرتها التي عرضت لها وكالة رويترز بشأن المشكلات التي قد تواجه مصر نتيجة ملء السد حيث ستكون مصر عرضة لفقد أكثر من مليون وظيفة و1.8 مليار دولار من الناتج الاقتصادي سنويا، كما ستفقد كهرباء بقيمة 300 مليون دولار.

وفي ضوء التوجه الذي أكد عليه الرئيس السيسي وأشرنا إليه الأسبوع الماضي بأن مصر يمكن أن تتحمل جانبا من الضرر ولكن في حدود معينة فقد اقترحت مصر أن تسمح أثيوبيا بتدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنويا، بما يعني القبول بنقص حصة مصر السنوية خلال فترة ملء السد بنحو 15 مليار متر مكعب، فيما لم يذكر الوزير الإثيوبي كمية المياه التي ترغب بلاده في تمريرها لمصر، وإن أشارت بعض المصادر إلى أن اديس أبابا تقترح السماح بتدفق 35 مليار متر مكعب.

دلالة ذلك أن أثيوبيا ترفض التزحزح عن موقفها قيد أنملة، ليس ذلك فقط بل إنه من الغريب أن الأمر يصل لحد اتهام مصر بالعمل على الوصول إلى حالة بشأن إدارة سد النهضة تمثل انتهاكا لسيادتها،  وعلى ذلك فإن مصر يجب أن تتسلح في مواجهة هذا الاحتمال بمجموعة من البدائل التي قد لا يكون لا بد منها من أجل الحفاظ على حقوقها في مياه النيل. في تقديري أن هناك العديد من السيناريوهات والخيارات التي لا أتصور للمرة الألف أنها تغيب عن صانع القرار، وهي خيارات يطرحها البعض في هذه الآونة من قبيل التذكير بما ينبغي على مصر القيام به.

وإذا أقررنا بأن مياه النيل مسألة حياة أو موت بالنسبة للمصريين فإنه ليس هناك جدال في أنهم لن يسمحوا لأحد أن يعبث بها، غير أن التحرك الآن ربما يكون، بل هو من المؤكد، أفضل بكثير من الأحوال، من التحرك بعد وقوع الكارثة، خاصة أن السد سيبدأ في إنتاج الطاقة بنهاية عام 2020 أي بعد عام من الآن، وهو ما يستدعي وفق الكثير من المهتمين بهذه القضية استدعاء البدائل السلمية المؤجلة، خاصة في ضوء ما هو واضح من أن الخيار العسكري يبدو مستبعدا بشكل كبير، لما قد يلقيه من تأثيرات بالغة السلبية على الاستقرار الإقليمي في المنطقة ككل.

ومن هذه الخيارات التي يطرحها المختصون في هذا الصدد تدويل النزاع باللجوء إلى محكمة العدل الدولية أو تقديم شكوى للبنك الدولي من أجل وقف تمويل أي مشاريع في اثيوبيا كورقة ضغط عليها للتوافق مع التوجهات المصرية بشأن التعامل مع ملء السد ، ومحاولة التأثير على موقف السودان بما يجعله يميل إلى صالح مصر، وكذا التأثير على الأطراف الدولية الممولة لإنشاء السد.

هل تتحرك الدبلوماسية المصرية في هذا الاتجاه .. الشغل على البدائل الأخرى المؤجلة منذ إثارة أزمة سد النهضة؟.. هل ترى أن الأمور لم تصل إلى حد الحاجة لمثل هذا التحرك وأن الأمور في كل الأحوال تحت السيطرة؟ هل نطمئن ونطوي الحديث عن الملف خاصة في ضوء الحجج الأثيوبية بلوم الإعلام المصري على أسلوب تناوله للموضوع؟

في كل الأحوال، فإن أي متأمل للمشهد يدرك بسهولة أننا وصلنا إلى آخره وأن أي تأخير في العلاج الحاسم لهذا الملف ربما يلحق الضرر بالموقف المصري، وهو ما يتطلب حالة من التكاتف الوطني والقومي، وسط وضع  نبدو للأسف معه  في صورة تدعو لتصور أن هذه الحالة آخذة في التحلل، وهو المنفذ الذي دخلت منه أثيوبيا عقب ثورة 2011، الأمر الذي يدعونا لمزيد من اليقظة والحذر حتى لا نضر بأنفسنا أكثر مما أضرنا!!

[email protected]