رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

قبل أن تقرأ.. الدكتور فاضل الربيعى مفكر ومؤرخ عراقى بارز، له إسهاماته المتميزة، يمكن اعتباره دون تجاوز مؤرخا متخصصا فى تاريخ السرديات الدينية والتراثية ونقدها. وفى إطار مشروعه ذاك جاء كتابه بالغ الأهمية «إسرائيل المتخيلة»، وهو كتاب يتضمن العديد من الرؤى الصادمة للقارئ العربي، بل وغير العربي، على نحو قد تجد نفسك تتساءل معه فى النهاية هل الرجل به مس من الجنون، وإن كانت رزانة الربيعى فى حواراته وندواته تؤكد أنه فى قمة العقل والرصانة بل والرطانة، أم أننا كنا فى نومة كنومة أهل الكهف عن إدراك حقائق ما نطقت به الكتب المقدسة، وقد نكون زدنا عنهم سنين عددا!

الكتاب يقوم على فكرة أساسية يمكن الاشتباك معها، وإن كان مكوناتها الفرعية هى التى قد تبدو أكثر خطورة، بحكم أنها تقلب حقائق الجغرافيا والتاريخ رأسا على عقب، وتهدم كل ما وجدنا عليه آباءنا، وتصيبك بحالة من الاضطراب مصدرها الحيرة فيما إذا كان الربيعى يهدم بحق أساطير الأولين، أم أنه يسعى لبناء أساطير جديدة على أنقاض الأساطير التى يزعم أنه يهدمها!

فكرة الكتاب أن الأحداث التى وردت فى التوراة، ووردت بالتالى فى الرواية التراثية الإسلامية، لم تقع على صعيد الجغرافيا أو التاريخ فى فلسطين وإنما وقعت فى اليمن، مطورا فى ذلك الصدد ما قدمه سلفه كمال الصليبى الذى راح يؤكد على أن التوراة جاءت من جزيرة العرب!

المهم أنه فى سياق هذه الفكرة يقدم الربيعى مجموعة من الرؤى التى تتسم بالجراءة والإقدام دون وجل رغم أنها تماثل اصطدام سفينة كبيرة مع جبل جليدى ضخم، تتمثل فيما يلي:

أولا: أن رحلة النبى إبراهيم لم تكن من العراق إلى فلسطين وإنما كانت فى قلب اليمن، إنها رحلة من أور الكسديم وليس أور الكلدانيين – التى يراها ترجمة عربية خاطئة لما ورد فى التوراة، إلى حاران، مشيرا إلى أن الكسديم تلك ليست سوى جبل اسمه جبل الكساد ما زال معروفا فى اليمن. ويعزز رأيه بالإشارة إلى أنه لم يكن يوجد فى عصر إبراهيم شعب اسمه الشعب الكلدانى وإنما ظهر شعب بهذا الاسم بعد ألف عام من عصر إبراهيم.

ثانيا : إنه ليس من الصحيح أن الرب أعطى لبنى إسرائيل وعدا بأرض من النيل إلى الفرات، موضحا أن ذلك تفسير خاطئ للتوراة، موضحا أن النص العبرى يقول : لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصريم إلى الوادى الكبير، مشيرا إلى حدوث تلاعب فأضيفت كلمة فرت إلى الوادى لتصبح نهر الفرات. أما مصريم تلك فليست مصر الحالية وإنما هى مملكة فى منطقة الجوف باليمن اتخذت اسم «مصرا». وهنا يشير الربيعى لوجود عدة صيغ لاسم مصر فى التوراة كل واحدة لا تنطبق على الأخرى مما يزيد من التناقض.

ثالثا : أنه لم يكن هناك أى خروج للنبى موسى وبنى إسرائيل من مصر ولا علاقة لمصر من بعيد أو قريب بهذا الأمر، معتبرا أنه جرى ما يصفه بالإسقاط التعسفى لقصص التوراة على تاريخ مصر الحالية.

رابعا : أن سيناء التى يتردد أنها شهدت الجزء الأكبر من خروج بنى إسرائيل ليست سيناء المصرية مؤكدا أن اسم سيناء لم يذكر فى النص العبرى وإنما استخدم النص تعبير «برية صنا» عن الخروج، والتى ترجمت إلى سيناء. ويدلل على ذلك بأنه عندما جرى احتلال سيناء أرسلت اسرائيل فرقا للتنقيب بها ولم تعثر على أى أثر لما يسمى بالخروج. أما عن منطوق الآية «وطور سينين» فيرى أنها لا تعبر بأى حال عن كون موضع الحديث هو سيناء.

خامسا : أن الفراعنة ليسوا سوى حكاما فى اليمن، وأنه لا علاقة لمصر بمصطلح الفرعون. وفى تفسيره يشير إلى أنه لا يوجد فى التاريخ المصرى أى فرعون ادعى أنه رب أعلى. لكن فى التاريخ اليمنى هناك واحد من أهم الملوك أعلن الربوبية وفرض على الكهنة أن يقدموا له النذور هو الملك يزدك فرعم، مضيفا أن الميم تنطق أحيانا نونا ومن هنا جاء لقب الفرعن أو الفرعون، وأن تماثيل هذا الملك موجودة اليوم فى متحف عدن وهذا هو فرعون موسى.

سادسا : أن عبور يوشع بن نون لما يسمى بنهر الأردن جزء من الأساطير التى تم ترويجها، من أجل التطبيق التعسفى لاحداث التوراة على جغرافية فلسطين، وهنا يشير إلى أن النهر الموصوف فى التوراة ليس نهر الأردن الحالية موضحا أن اسم الأردن لا يرقى إلى الفترة التى كتبت فى حدودها التوراة. والتصور الذى يطرحه الربيعى ان الحدث جرى فى اليمن حيث هناك وادى يسمى وادى الأردم والتوراة تذكر هذه الصيغة حرفيا، وأن من تقاليد الكتابة السبئية نطق الميم نونا أو العكس.

انتهت سطور المقال ولم تنته أساطير الربيعى التي نفصل فيها المقال القادم مع قراءة تحليلية لأفكار الرجل ومدى منطقيتها.

[email protected]