رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العالم المشغول بالحرب عن الارهاب يقف صامتا أما حرق المكتبات فى العراق وسوريا؛ لتكتمل مسيرة حرق تراث الانسانية، وهو المطلوب وتتمناه الإمبريالية العالمية. إن الظاهرة جريمة بلا منازع بل لا ضير من تصنيفها ضمن الجرائم ضد الإنسانية التى نسمع عنها بين الفينة والأخرى دون أن نعيرها ما تستحق من الاهتمام، ودون أى تفكير فى أثر هذه الممارسات فى المشترك الإنسانى (الماضى، الحاضر، المستقبل)، فموت البشر وسرقة الاثار والثروات ونهب الاراضى لن تكتمل إلا بمحو ذاكرة الشعوب من خلال كتبها وتراثها الفكرى.

وهذا ما حدث قريبا مع مكتبة ناصر خسرو إحدى أكبر وأفضل المكتبات العامة بأفغانستان، وكانت تشتمل على نحو 55 ألف مطبوع بين كتب ووثائق ومخطوطات نادرة. تمت إبادتها على يد حركة طالبان فى أغسطس 1998. ليذكر العالم الآن أن الافغانستانيين مجموعة من المتخلفين الجهلاء، وتجددت المأساة فى شمال مالى وتحديدا فى مدينة تمبوكتو حين أقدمت جماعة «بوكو حرام» على إحراق جزء كبير من مكتبة العالم المتصوف أحمد بابا التنبكتى. وكم بقى المثقف العربى على بقايا التراث الإنسانى المحفوظ فى مكتبات وخزانات الموصل بالعراق التى كانت على موعد مع الإبادة فى الساحة العامة على يد أفراد من حركة داعش.

ومن سنوات أحرقت مكتبات البوسنة على مسمع ومرأى من العالم أجمع، وما اشبه هذا بما فعله هتلر ووزير دعايته جوبلز عندما حرق الكتب المضادة لفكرهم وسط برلين سنة 1933 فى احتفال كبير.

وكأننا نعيد التاريخ مع ما حدث من قبل مع تاريخنا الاسلامى والعربى فى بيت الحكمة، حيث ضمت المكتبة كتب التراث الإسلامى والسير والتراجم، ونفائس كتب الكيمياء والطب والرياضيات والفلسفة والأدب، وحوت المكتبة مرصدا فلكيًّا للتحقيق فى كشوف بطليموس.

كل هذا وأشياء أخرى قدرت بنحو 300 ألف كتاب كان مصيرها الهلاك والإغراق فى نهر دجلة على أيدى المغول عند اجتياحهم بغداد عام 1258 للميلاد. ودار العلم إحدى أضخم المكتبات التى عرفها التاريخ الإسلامى كان مقرها فى القاهرة، قدرت المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه محتويات هذه المكتبة، فى كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب» بقولها: «وفى القاهرة رتب مئات العمال والفنيين فى مكتبتى الخليفة مليونين ومائتى ألف من المجلدات».

تكررت محاولات إتلافها عبر مراحل. وللأسف إن المكتبة العامرى فى سوريا التى تضمنت ثلاثة ملايين كتاب حرقها الصليبيون فى القرن العاشر الميلادى، معتقدين أن جميع محتوياتها هى نسخ من القرآن الكريم، وكان للمكتبة أكثر من 180 ناسخًا يتناوبون على العمل بها. وللأسف إن حرق الكتب ظاهرة مؤسفة سجلها تاريخ الإنسانية وعلى رأسها ما فعله الإمبراطور الصينى (شى هوانج تى) فى العام 212 قبل الميلاد، حين قاد حربه على الكتب القديمة فأتلف وحرق مئات الدراسات التاريخية والأدبية والقانونية، وطارد الأدباء والعلماء فى صحارى الصين وجبالها ولاقى كل من قبض عليه المصير نفسه.

وتتميز حملة الإمبراطور الصينى بأنها الأكبر فى التاريخ والأشمل؛ لأنها لم تقتصر على مفكر معيّن أو أديب أو مؤرخ، بل طالت كل الكتب التى سبقت عهده. ومع ذلك مازالت تلصق تهمة حرق الكتب بالعرب لقرون طويلة وبالحكام المسلمين، ويبكون على فقدان مكتبة ابن حزم الأندلسى والغزالى وابن المقفع وأبى نصير. وفى الحقيقة إن على مر العصور تفسير هذه الظاهرة سببها المشترك رغم اختلاف الدوافع هو العامل السياسى.

إلى جانب جملة من الأسباب التاريخية، قد تتعلق بالتكوين الاجتماعى والثقافى، خاصة أن كل محطة تاريخية كان لها وظيفتها السياسية، مع الأخذ فى الاعتبار عامل مأزق العلاقة بين المثقف والسلطة فى مختلف تلك المحطات ؛ وقد يرى بعض الطغاة أن الحرق بمثابة إلغاء السابق والبدء من جديد من المربع صفر. مع كل هذا يظل أن النصيب الأوفى لأبرز حوادث إبادة الكتب عبر التاريخ كانت الأسباب السياسية وراءه. ويظل أسلوب الحرق فى الساحات العامة أمام الجماهير أفضل اختيار على مر التاريخ لدى مرتكبى هذه الجرائم، وتتساوى فيها كل الحضارات، وأقدمت عليها كل الشعوب وإن كانت بدرجات متفاوتة، فخسرت البشرية من تراثها المعرفى والحضارى بسبب جنون فرد أو حماقة طائفة.