رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

نسافر بعيدا إلى أقصى ارتفاع وأبعد مكان، تقهرنا الأيام وتطحننا الحياة، فنتنازل عن حلم تلو الآخر، ونكور كل أحلامنا الموؤدة والتى لا تزال تصارع الموت، نكورها ونودعها أولادنا، ليس من آباء أسوياء لا يدعون تلك الدعوة لأبنائهم « يا رب اشوفك احسن منى ، يا رب يكون حظك أحسن من حظى  »، ومن هنا يحلم الآباء بكلية قمة لأبنائهم، الطبقة المتوسطة وما تحتها تشرب « الأمرين » لتسكب كل ما تدخره وما تقترضه من مال فى جيوب المدرسين الخصوصيين ليحصل الأبناء على أعلى درجات فى «المدعوقة» الثانوية العامة، وحتى يتمكن من دخول كلية «عليها القيمة» كلية قمة وفقا لمعتقداتنا المتوارثة.

هلا نظرنا حولنا، كم من طبيب لا يجد مستشفى أو عيادة يعمل بها بأجر مجزٍ يعوض ما أنفقه أهله عليه وما عاناه من سهر ومذاكرة سبعة أعوام أو أكثر، فيصلب شهادته على الجدار ويظل يتأملها محزونا فاقدا للأمل فى المستقبل، باستثناء من لهم معارف وواسطة تمكنوا من خلالها من إيجاد فرصة عمل، وكذا الحال لآلاف المهندسين الخريجين كل عام، ويزداد «الطين بلة» لخريجى الإعلام، بعد أن بلغت كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة إلى انتكاسة مالية ومهنية، مع احترامى لكل خريجى الإعلام، هناك صحفى يتقاضى خمسمائة جنيه فى صحف وبوابات الكترونية تصدر من بير السلم، وهناك من لا يجد حتى هذا المبلغ، ويتعرض لنصب واحتيال من ملاك صحف مشبوهة وغير معروفة أو مقروءة، وملاك هذه الصحف يحصلون من الصحفى على مبالغ مالية مقابل أن ينشروا لهم على أمل خداع نقابة الصحفيين بدفع هؤلاء لعضوية النقابة، ومن ثم الاستفادة من مميزات النقابة وعلى رأسها بدل التكنولوجيا، للأسف هكذا باتت تسير الأوضاع.

كل هذه الحقائق تصل بنا إلى ضرورة التخلى كآباء عن هذا الحلم القديم العقيم الذى بات لا يلد مستقبلاً ولا نجاحًا إلا لقلة مسنودة بالواسطة، وأن يوجهوا الأبناء للتخلى عن نعرة «كلية القمة» حتى لا يجد أبناؤنا أنفسهم غارقين فى قاع المجتمع، بلا عمل، أو فى أعمال أخرى متدنية، أو بأجور لا تكفى شيئا، ليصابوا بالإحباط المزمن، فى كافة الدول المتقدمة ومنها الأوروبية، تم التوجيه إلى التعليم الفنى بقوة، قلة قليلة التى يتم قبولها فى كليات الطب والهندسة والقانون والشرطة، ويتم دراسة احتياجات أسواق العمل من خريجى هذه الكليات، والباقى يوجه إلى الدراسات الفنية المتخصصة فى مجالات العمل المختلفة، بل ويتم توجيه الشباب بالاكتفاء بالمرحلة الثانوية، إلى الحصول على دبلومة «وهى دورة تدريبية» تبدأ من ثلاثة أشهر فأكثر، لتأهيل المراهقين فى أعمال حرفية، نجارة، حدادة، سباكة، بناء، وغيرها صف طويل من الحرف التى يتم تأهيل الشباب لها، وعمل شركات كبرى ومكاتب عمل تضم هؤلاء وتستقبلهم لتوزيعهم على المؤسسات والشركات وأماكن العمل المختلفة.

تقدم لنا الصين نموذجًا فريدًا فى التوجيه للتعليم الفنى من أجل توفير فرص عمل لهؤلاء الفنيين، ولنا فى دول الاتحاد الأوربى أيضا نموذجا فريدا فى التوجيه للتعليم الفنى، والمثير أنهم هناك لا يعرفون شيئا عن عقدة كليات القمة التى تصيبنا كمصريين، المهم أن يدرس الطفل ومن ثم الشاب ما يحبه أو يبرع فيه أو يوجه لأن يتقنه من علوم نافعة، حتى يجد فرصة عمل ولا يضاف إلى صفوف البطالة، التعليم الفنى هو أمل الدول النامية فى التنمية والرقى، ودفع عجلة العمل والإنتاج، وكم من مهندس خريج لا يفهم شيئا لأنه دفع لدراسته دفعًا دون أى ميل أو حب لها، وكم من طبيب فاشل لنفس السبب، لذا المهم أن يدرس الأبناء ما يحبون، حتى يتقنوا ما درسوا ويبرعوا فى العمل بما تعلموه، مصر تراهن الآن على التعليم الفنى، وقد بحت أصواتنا ونحن ننادى بالاهتمام به، والارتقاء به فى زمن العمل والإنتاج والحلم الأكبر لمستقبل أفضل لنا ولمصر.

[email protected]