رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

أختتم اليوم ما بدأته على مدار شهر رمضان من عرض بعض المفاهيم التى ينبغى أن تخضع للمراجعة من أجل حسن فهم الدين، وأتطرق فى هذه الحلقة الأخيرة لمفهوم ربما لا يندرج بشكل تام فى إطار الفكرة التى حكمت مجموعة المقالات السابقة، وإن كان يتداخل معها، بمعنى أنه لا ينبغى أن يخضع للمراجعة وإنما لإعادة تأمل.

هذا المفهوم هو مفهوم «الدين الحق».. وقبل أن تقرأ فإن الأمر لا يهدف كما قد يتصور بعض من لديهم قصور فى الفهم إلى الانسلاخ من الدين، بل على العكس فإن حسن فهم هذا المفهوم ربما يكون سبباً فى تجاوز أكبر مشكلاتنا المعاصرة وهى التطرف على صعيد مختلف الأديان، بل نشر نوع من ثقافة التسامح التى دعت إليها الأديان ذاتها.

إن أى مؤمن بأى دين– سماوى أو أرضى– ينطلق من أنه لا يوجد سوى دين واحد حق هو الدين الذى يؤمن به، وأن ما عداه من الديانات والمعتقدات باطلة! ولأن ذلك من طبائع الأشياء، فقد تعامل الإسلام مع هذا الأمر بمنطق الاستيعاب وإقرار حق الآخر فى الاعتقاد بما يراه، ولعل أفضل تعبير عن ذلك سورة «الكافرون» التى يدعو الله فيها نبيه إلى أن يخاطب الكافرين- وليس فقط المؤمنين من أصحاب الديانات الأخرى التى يقر بها الإسلام- بأنه لا يعبد ما يعبدون، وأنه يدرك أنهم لا يعبدون ما يعبد، ولذلك يدعوهم إلى ميثاق يحكم هذه العلاقة أساسه هو « لكم دينكم ولى دين».. دينى الذى أؤمن به وأقر بأنه الدين الحق دون أن أنكر عليكم حق الاعتقاد فيما يخالفه.

فى ذلك الإطار مثلاً نجد أن القديس أوغسطين الأب الروحى للفلسفة المسيحية (354– 430 م) قدم كتاباً صغيراً بعنوان «الدين الحق» وهو بالنسبة له بالطبع المسيحية، وعلى المنوال ذاته نجد أن القاضى وعالم الاجتماع الهولندى هيغو غروتيوس (1583 – 1645) قدم كتاباً آخر بعنوان «الدين الصحيح» أشاد فيه إشادة كبيرة بالمسيحية، وعلى صعيدنا الإسلامى فإنه فى فتوى لابن باز تعقيباً على إنشاء معبد للسيخ فى الإمارات راح يؤكد الإسلام هو «الدين الحق» وما سواه من الأديان باطل.

لتوضيح الفكرة أسوق هذه القصة التى تقدم تحت أسطورة الخواتم الثلاثة، وقدمها الشاعر الإيطالى بوكاتشيو (1313 –1375) فى مروية له، يزعم خلالها أنه بناء على رغبة من صلاح الدين الأيوبى فى الاستيلاء على ثروات سمسار يهودى نصب له فخاً سائلاً إياه: أى الديانات الثلاث الأفضل؟ فإذا أجاب بأنها اليهودية يمكن للسلطان أن يعلن أنه أهين فيستولى على ممتلكات اليهودى، وإذا أجاب بأن الإسلام هو الأفضل فبوسعه إرغامه على التحول إلى اعتناق الإسلام، لكن اليهودى رد بحكاية، قال خلالها.. إنه كان لدى أحد الملوك ثلاثة أبناء يحبهم كثيراً، وبما أنه لا يعرف كيف يختار بينهم، فقد أمر بعمل خاتمين متطابقين تماماً مع خاتمه الذهبى رمز سلطته.

وبينما الملك على عتبة الموت استدعى أحد أبنائه واحداً بعد الآخر، وأعطى كل واحد خاتماً، زاعماً أنه قد اختاره وريثاً له وبعد موته، وادعى كل واحد من الإخوة الثلاثة مستعرضاً خاتمه دليل حقه فى وراثة الأب، ويستنتج اليهودى السمسار من ذلك أننا كالأبناء الثلاثة، فنحن اليهود والمسيحيين والمسلمين نستحضر كلنا تراث الله سبحانه وتعالى بوصفه إرثنا، لكن الله وحده هو الذى يعلم أينا اختار، وعندئذٍ فإن صلاح الدين وقد أنبه ضميره أغدق على اليهودى بالهدايا، وأصبح الاثنان صديقين مدى الحياة.

بغض النظر عن صحة الرواية من عدمها، فإنها تشير إلى الفكرة الرئيسية التى يجب التعامل على أساسها، وهى أن المرء يجب أن يتعامل على أنه على دين الحق، مقدراً اعتقاد الآخرين بهذا الأمر، وبهذا فقط يمكن تجاوز روح العداء والكراهية التى يشعر بها أصحاب كل دين تجاه الدين الآخر، حيث يشكل ذلك الأساس العقلى لهذا التوجه، بل الأساس الدينى أيضاً من منظور إسلامى، فاختلاف الأديان كما الطبائع، وكما الأفكار سنة من سنن الحياة، وفى ذلك يقول الله تعالى: ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» برسالة الإسلام.

صحيح أنه نتج عن مثل هذا التوجه دعوات شاذة إلى العمل على تشكيل دين جديد يجمع كل الأديان، وثنية كانت أم غير وثنية، سماوية أم غير سماوية حكم بعضها الشطح الفلسفى مثل ما ذهب إليه ابن عربى فى دعوته إلى وحدة الأديان بناء على نظريته فى وحدة الوجود، وحكم بعضها الآخر أبعاد طائفية مذهبية مثل دعوة البهائية إلى إذابة الأديان فى دين واحد، غير أن أهمية هذه الدعوة، وعلى النحو الذى نشير إليه تتأتى مما وصلت إليه البشرية من تداخل معتنقى الديانات المختلفة بما يتطلب التأكيد على الإقرار بالاختلاف فى العقيدة الأمر الذى يفرز مجتمعاً إنسانياً متسامياً، وأكثر تسامحاً، ويجنبنا ويلات التعصب الدينى..والله تعالى أعلم.

[email protected]