عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

لفت نظري عندما تعرفت عليه في بلاط صاحبة الجلالة منذ 35 عاما. رغم أننا كنا كالأطفال نحبو في تلك المهنة، إلا أنه كان يشعرك ويشعر كل من يتعامل معه بأنه مصطفى أمين أو حسنين هيكل. كان شديد الاعتداد بنفسه والزهو بها، كما الطاووس. وتمكن رغم المنافسة الشديدة بينه وبين أقرانه من السيطرة على عقل رئيس التحرير فخصص له عمودا أسبوعيا زاد من شعوره بالتميز ونجاحه في الإجهاز على منافسيه. ورغم أنه كان يرى أنه أقرب إلى كونه روائيا وشاعرا، إلا أنه بحكم الموقع في صفحة الرياضة رأى أن يكتب عن اللعبة التي يحبها ويهواها كرة القدم. كانت كتابته بالغة التميز والمتعة، من ذوات الأسلوب السهل الممتنع، تجذبك من أول سطر فيها لتجد نفسك دون أن تدري قد أنهيت المقال وتطلب المزيد. كان يرى أنه أنيس منصور عصره وزمانه!

ولأننا كشباب كنا نعيش حالة من الفراغ العاطفي، فقد وجه سهام اهتمامه إلى تلك الفتاة الأرستقراطية التي كنا نتساءل عن سبب وجودها في هذه البيئة المتواضعة من العمل. وكانت إجابتنا جميعا أنه وهج الشهرة والمجد، وهو الوهم الذي لم يشف أغلبنا منه سوى بعد حين. رغم أن مظهره كان يؤكد أنه قادم من أعماق الريف ورغم أن لكنته كان يصعب إخفاؤها ولو بعملية جراحية، إلا أن تطلعاته صورت له أنه حظى أخيرا بذات الحسب والنسب وأنه بمهاراته وتميزه يمكنه أن يسلبها عقلها وقلبها ويشاركها النعيم الذي ترفل فيه، فكانت الصدمة حين جافته ولم تعره التفاتا.

ولأن الإنسان جُبِل على التحدي، فقد كان ذلك دافعا له لمزيد من البحث عن الصعود. نجح بفضل دأبه وجهده في اجتذاب نظر قيادة صحفية بمؤسسة كبري، فكان أن استدعاه على عجل للعمل معه، فكانت النقلة الكبرى. خلال شهور برز بقلمه الرشيق وعبارته الجميلة، وبدا أن أحلامه في ارتياد آفاق فضاء النجومية في طريقها إلى التحقق. غير أنه نظرا لطبيعته التصادمية والمشاكسة والتي لا تقبل وجود من يشاركه الأضواء، لم يصادف سوى النفور من زملائه في المؤسسة، فكثرت مشاكله على نحو انتهى به الى دخول دائرة النسيان.

ولأن الطموح غلاب، ولأن البعض منا لا يقبل الهزيمة بسهولة، فقد سعى صاحبنا لأن «يغير عتبة بابه»، مستعينا بقدراته السحرية وموهبته التي يرى أنه لا يشق لها غبار، فانتقل إلى مؤسسة أخرى ليحتل فيها مكانة متميزة. كان حديث البعض ومثار دهشتهم في كيفية استيلائه للوهلة الأولى على اهتمام من يحدثه. بدت الدنيا أمامه حلوة والحياة «بمبي» بعودته إلى الصدارة مجددا، ومن الزاوية التي يصعب منافسته فيها، التي حباه الله موهبتها.. الكتابة التي تثير لب القارئ وخياله.. ولكنه عاد سيرته الأولى فكان ما كان من صدامات أعادته - كما تعيد المشاجرات المجرم إلى سجنه - إلى دائرة النسيان.

في انتخابات مجلس نقابة الصحفيين الأخيرة لمحته جالسا على كرسي وحده في ركن قصي. بدت لي صحته معتلة، على نحو يجعله أكبر من سنه بكثير. بالكاد، حينما استعدت ملامحه منذ أكثر من 35 ثلاثين عاما، تذكرته.. إنه.... ياااه، عمر، زمن، حياة. حاولت أن أحييه وألقاه وأسمع أخباره، بعد أن أحيا ظهوره لي الحنين إلى الماضي، ولكن زحمة الحضور أعاقتني.

بعد برهة قصيرة من فتح باب التصويت، اصطدمت به لدى اسراعه بالخروج من النقابة، استوقفته، للوهلة الأولى بدا لي أنه لا يعرفني، أو بالكاد يتذكرني. من فرط بروده تصورت أن عجلة الزمن في ذهنه قد توقفت، وأن تلك السنوات  الطوال لم تكن بالنسبة له سوى يوم واحد هو يوم الخميس، وأننا نتقابل في اليوم التالي مباشرة.. الجمعة!

مر على ذهني على طريقة «الفلاش باك» سبب إخفاقاته، رحت أقول بيني وبين نفسي إن الله بحق جميل يحب الجمال.. جمال الروح والنفس والقلب.. وليس جمال القلم فقط! كادت شرارة التلاقي بين قمة الغرور الإنساني وقمة التواضع الإنساني رغم البعد الزماني والقرب المكاني أن تفعل فعلها، ولكن الله سلم. بعد أن مد يده بتكاسل راح يهم بالسير عائدا إلى جريدته التي يتذيل اسمه - الشىء الباقي له من المجد الضائع - ضمن آخرين أحد إصداراتها!

[email protected]