رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

سواء اتفقنا أم اختلفنا على تجربة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بأكملها، فلعلنا لا نختلف على أن أبرز جوانبها السلبية إنما يتمثل في إعلامها، وهو الذي انتهى بها وبمصر كلها إلى نتائج أقل ما يمكن أن يقال في توصيفها أنها نتائج كارثية!

لا يمكن إنكار أن الرئيس ناصر سعى من خلال تجربته لإقامة نهضة شاملة في مصر، كان يمكن أن يضرب بها المثل، بل إنه أحيانا يضرب بها المثل، وهو الأمر الذي دفع البعض للإشارة إلى أنها تمثل بحق التجربة النهضوية الثانية في التاريخ الحديث للمصريين بعد تجربة محمد علي. غير أنه بالنظر للتجربة بأثر رجعي يتيقن لنا أنه ربما كان أحد أسباب إخفاقها بطموحاتها المحلقة في عنان السماء هو الإعلام.

في حدود قراءاتي لم يتيسر لي الاطلاع على ما يمكن القول إنه دراسة رصينة عن إعلام تلك الفترة، وإن كنت لا أتصور عدم وجود مثل تلك الدراسة، وإلا كان الموقف يشير إلى تقصير بالغ في تقييم تجاربنا السياسية والتاريخية.وعلى ذلك يمكن أن تعتبر هذه السطور مجرد خواطر لا تقوم على مرجعية يعتد بها في هذا الحديث. غير أنه من تأمل ما صارت إليه الأمور في تلك الفترة يمكن الإشارة إلى أن النظام والإعلام كان صنوان! بمعنى ملازمة الإعلام للنظام خطوة خطوة ومحاذاته النعل بالنعل! كان النظام الناصري يملك إعلامه ويتعامل معه بمنطق «إعلامي وأنا حر فيه .. إعلامي..»!

ووفقا لما يشير إليه البعض نقلا عن الكاتب الأسكتلندي أندرو هاموند فإن نموذج الإعلام لسيطرة الدولة في العالم العربي كان أساسا تجربة مصرية مثلتها الحقبة الناصرية حيث تعرف المصريون على ثورة يوليو عبر الإذاعة المصرية التي كانت مصدر الأخبارالوحيد لمجتمع بلغت فيه نسبة الأمية أكثر من 70% وفي وقت انتشار جهاز الراديو.

ساهمت الأمور على هذا النحو في عدد من النتائج على رأسها تنميط وعي المواطن المصري الذي كان الإعلام وسيلته الأساسية للتواصل مع الحياة وأحداثها، صحيح أن ذلك المواطن كان يهرب في بعض الأحيان إلى وسائل إعلام خارجية مثل الـ «بي بي سي» وراديو إسرائيل – إذاعة العدو – ولكن القطاع الرئيسي كان وعيه يخضع في تشكيله للإعلام المحلي. ساعد ذلك في إفراز شخصية «المواطن الببغاوي» الذي يردد ما يملى عليه! بما صاحب ذلك من تغييب العقل في الحكم على الأمور، وأما على المستوى المجتمعي فقد أصبح أفراده كما القطيع، مجموعة أفراد أقرب إلى «الروبوت» الذي يتم تسييره عن بعد!

ومن الجوانب بالغة الدلالة في مسيرة هذا الإعلام ما يشير إليه أستاذي عباس الطرابيلي في ذكرياته عن تلك الفترة من أن الرقيب كان يجلس معهم في صالة تحرير «الأخبار»،وخط تليفون جاهز تحت يده ليعرض ويتلقى التعليمات،وكان معظم الرقباء من العاملين بوزارة الإعلام وهيئة الاستعلامات وإدارة المطبوعات بوزارة الداخلية.. ولم تكن أى صحيفة تجرؤ على تشغيل المطبعة إلا بعد توقيع الرقيب على كل «سلخة»وصفحة!

وإذا كان ملف إعلام تلك الفترة مشحونًا بالتجارب والخبرات السلبية فربما تبدو عملية التضليل التي مارسها على الشعب الأبرز من بين نتائج تلك التجربة. وإذا كانت التأثيرات غير المواتية لعمليات التضليل محدودة على صعيد القضايا الداخلية، فقد كانت لها آثار بعيدة المدى وموجعة على صعيد قضايا الخارج وخاصة التعامل مع العدو الإسرائيلي آنذاك. 

رغم أنني قد لا أعى تلك الفترة, خاصة عقد الستينيات، بشكل كبير بحكم أنني كنت في مرحلة الطفولة ، إلا أنه ما زال يرن في أذني الشعار الرئيسي الذي كان « المواطن الببغاوي» يردده : «عبد الناصر يا حبيب بكرة هاندخل تل أبيب».. كان الشعار ساذجًا ويعبر عن عدم إدراك لطبيعة علاقات القوى التي تحكم مسار المواجهة مع إسرائيل، فضلا عن طبيعة وتأثير عملية الشحن المعنوي الذي كان يقوم به إعلام عبد الناصر. كان من أبعاد هذا التعاطي مع الأمور أن صحا المصريون على كارثة الهزيمة في 67 رغم أن الإعلام خاصة الصحافة المصرية حاولت تصوير الأمر في الأيام الاولى على أن المعركة تسير في سكة انتصار مصر، وتكشف صور الصفحات الأولى التي يتداولها المصريون أحيانا من قبيل التندر على حجم المفارقة بين إعلام يروج لانتصار، وحقائق على الأرض تؤكد الهزيمة الثقيلة.

وإذا كان للمصريين أن يذكروا شيئا بالخير، فربما يكون التطور التكنولوجي أحد الأمور التي يجب أن تنال ثناءهم، والذي يعزز أملهم في عدم تكرار تلك التجربة أو استنساخها، فلم يعد من الممكن السيطرة على وعي الأفراد من خلال وعاء إعلامي واحد في ظل فضاء وسائل التواصل الاجتماعي حتى بكل سلبياتها. إننا نعيش عصرًا مختلفًا، أصبحت فيه تجربة إعلام ناصر من مخلفات الماضي، صحيح أن مبادئها تعشش في أدمغة البعض، لكن هيهات هيهات أن يكون لأمثال هؤلاء اليد الطولى!

[email protected]