رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

أن يختطفك وجه فلا تنساه، ويسكنك سحر لقاء عابر، وترتسم على حنايا قلبك بسمات إنسان لا يمحوها زمن، فلاشك أنك أمام رجل استثنائى.

رجل تعرفه قبل أن تعرفه، تصفو روحك له، تشتاق للجلوس إليه، تختبر صدق كلماته، وتتأمل نقاء تعبيراته.

المشير عبدالرحمن سوار الذهب العسكرى الذى جاهد شهوة الحُكم. القائد الذى قاوم سحر السلطة، والإنسان الذى احترم الناس رحل مؤخرا بعد رحلة طيبة وعمل حسن.

ينغرس اسمه وتلتصق ملامحه فى قلبى حيث كان لى معه أغرب لقاء صحفى مر بى فى عمرى المهنى.

فى شتاء 2007 كُنت فى العاصمة السودانية، وطلبت من السفير محمد عبدالمنعم الشاذلى سفير مصر الأسبق هناك التوسط للقاء المشير عبدالرحمن سوار الذهب، وتفضل مشكورا بالإتصال به وتحديد موعد.

أول دهشة كانت تحديد مكان اللقاء فى مسجد بضواحى العاصمة السودانية. الموعد، بعد صلاة العصر حيث لا صلوات تطوع أو سنن. ثانى ما يُدهش أن الرجل بلا حراس ولا مرافقين، ويقف فى الصف الأول لحضوره مبكراً لا لمكانته وشهرته.

خلفه صليت متفكراً كيف طلّق هذا الرجل سحر السلطة حين أننه على طبق ذهبى، واختار أن يُلقى الكرة فى ملعب الشعب تختار مَن تريد بشرط ألا يكون هو مرشحا للاختيار؟

صافحته بابتسامة مهنية أُتقن بحكم المهنة ادعاءها، وجلسنا فى أحد الأركان نتحدث بهدوء بعد انصراف المصلين.

فى ذهنى دارت تجربته عندما كان وزيراً للدفاع فى السودان الشقيق، وقامت انتفاضة شعبية ضد جعفر نميرى بعد أن سافر خارج البلاد، ووقف الجيش السودانى إلى جانب الناس، ورفض عودة نميرى، مقررا الإطاحة به وتسلم السلطة لمدة عام واحد تعهد فيه بتسليم الحكم للشعب خلال سنة ووفى بتعهده.

سألته كيف لم تُغره السلطة، وقد أغرت نساكاً وأنقياء وحولتهم إلى جبابرة ؟ فأجاب بأن يقينه بزوال كل ما على الأرض دفعه دفعاً إلى الوفاء بعهده والانتصار للناس.

قُلت له: ماذا لو كان الناس يريدونك؟ فقال إن وسيلة الناس للاختيار هى الانتخابات، وأنا لا يُمكن أن أُسلم البلاد للشعب وأكون أحد خياراتهم.

«وفيت بما وعدت. وصُنت البلد فى وضع صعب. وغادرت عندما كان لابد أن أغادر».

لمحت زهداً فى عينيه ورضا تاماً وهو يعرج بالحديث عن مصر وعظمتها وجمالها وطيبة ناسها، ثم يرجونى بصدق ألا أنشر حواراً معه، حيث اختار التصوف والبعد عن الأضواء تماماً راضياً بما حقق، رانياً نحو حياة أخرى فى مكان آخر تدوم.

طلبت أن أصوره، فأبى راجياً بأدب جم أن يبقى حديثنا كإنسانين لا كصحفى ومسئول. لست مسئولاً عن شىء، لكننا جميعاً مسئولون أمام الله فى يوم قريب. هكذا قال وهو يُكرر كلاماً بأنه سعيد باللقاء الإنسانى وأنه يرجو عدم النشر.

عانقته وأنا ثمل من رجل يعيش بوجدانه وكيانه فى الآخرة. يرنو إليها كأنه يراها. يضعها فى كل حساباته حتى حساب ظهوره فى حوار صحفى بمظهر جميل قد يحل شبهة الرياء فى العمل.

فى وصيته المكتوبة كان ثمة رجاء آخر أن يُدفن بالبقيع في مدينة رسول الله. ذلك أنه أحبه فعلاً لا قولاً. زُهداً فى كراسى وأضواء وزعامات سياسية قد لا تفيد بنى البشر. وأجاب العاهل السعودى رجاءه. ودفن بالبقيع.

[email protected]