رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حفنة كلام

عندما دخلتُ إلى مكتبى بجامعة بون بألمانيا وجدت إعلاناً على المكتب «والِد اشتيفان مات» واشتيفان هذا من أعز أصدقائنا وهو مستشرق محايد وودود، توجهت لمكتبه معزياً، وسألته عن موعد تشييع الجنازة فقال لى: يوم الأحد القادم، وكدتُ أن أقول له اليوم الاثنين، فكيف سينتظر أبوك حتى الأحد، لكن يبدو أنهم لا يودون تعطيل أعمالهم، وينتظرون حتى العطلة يوم الأحد، وأعطانى عنوان التشييع بمدينة كولن القريبة من بون، وكان اشتيفان يمارس حياته بقية الأيام بشكل طبيعى يأتى وينصرف فى موعده كل يوم، لبستُ الملابس السوداء واتجهت يوم الأحد صوب العنوان المحدد فى كولن، فوجئت بلافتة صغيرة معلقة عليه «محرقة الموتى» دخلتُ فى صالة انتظار كبيرة ووجدت اشتيفان وأمه وزوجته وأخته وبعض أقاربه وزملاء الجامعة، وجلسنا ولم أنطق بكلمة، كان الموقف مُدهشاً لى، وبعد نصف ساعة تقريباً خرج أحد الموظفين ونادى على اشتيفان وأمه فدخلا، وما هى إلا دقائق حتى خرجا وفى يد اشتيفان بوتقة صغيرة ذكرتْنى بالقُلة القناوى أو «البُكْلة» وَوقفنا جميعاً ولأن اشتيفان لاحظ ارتباكى فدنا منى وقال لى: امسك، تفضلْ أبوى!، وناولنى البُكلة قائلاً «هذه رفات أبى، فقد أوصى قبيل وفاته أن يُحرق، ونفذنا الوصية، حملتُ البوتقة وأنا أكاد أرتعش، ثم ناولتُها لمن يقف بجوارى الذى احتفظ بها دقيقة ثم ناولها لمن يليه حتى لفَّت على الجميع، ثم عادت مرة أخرى لاشتيفان، - وتذكرتُ كيف كان يجب على كلّ من شارك فى تشييع أية جنازة بقريتنا أن «يؤاجر» بمعنى أن يحمل نعش الميت لبضعة أمتار ثم يأتى غيره ليحمل النعش بدلاً منه، ويترادف القوم حتى يصلوا إلى المقبرة، ولذلك كم دهشتُ وضحكت كثيراً عندما كنت طفلاً وقرأت رواية «السقا مات» ليوسف السباعى، وعلمت من أحداثها بوجود ناس يُؤجَّرون لحمل نعوش الموتى، والسير فى الجنائز! -وخرجنا إلى مطعم قريب بكولن؛ فتكلمتْ أم اشتيفان عن ذكرياتها مع زوجها ثم تحدثت الابنة وبكَتْ وهى تفتقد أباها الذى كان فى البوتقة أمامها، ثم تحدث اشتيفان وبعض أصدقائه، وطلب كل منا ما يود من طعام على حسابه الشخصى، وودَّعناهم، وعدت لبون وأنا أتساءل كيف يحدث هذا؟، وفى المساء فاتحتُ أصدقائى فيما حدث، وابتدأت التفسيرات؛ قال أحدهم طالما رغبته فيجب أن تُحترم فربما وقع تحت تأثير الفلسفة الهندية، وقال آخر: القبور غالية، ثم اتجه نحوى وقال فى بون غالية جداً ولا توجد قبور للبيع وإنما للإيجار، وعندما رأى اندهاشى أردف: بعض الناس يستأجرونها لمدة عام أو عامين أو خمسة، لكن ذلك عبث، لأنه لن يتبقى منا شىء ندفع إيجاراً له بعد عام، وهناك مقابر «وَقّافى» بمعنى أن الدفن يتم رأسياً وليس أفقياً، وبذلك تكون المساحة المستأجرة قليلة فى حدود متر فقط أو أقل من متر؛ وعدت لأفكر كيف سيظل الميت واقفاً حتى بعد موته إلى يوم القيامة، وحمدتُ الله.

خاتمة القصيد:

قال أبوالعلاء المعرى:

لا تظلموا الموتى وإن طال المدى

إنى أخاف عليكمُ أن تلتقوا

[email protected]