رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

توقفت أمام خمس جمل قصيرة كتبها الإعلامى والمثقف الأستاذ أسامة الشيخ على صفحته بالفيس بوك.. كتب.. «ما زلت أشعر أنى سجين.. آن لى أن أنتقل إلى سجن آخر.. هو الأفضل لأنه اختيارى.. هل تصبح قوقعة الذات وطناً؟.. وهل يمكن أن تكون غربة المكان وطناً؟».. إلى هنا انتهى كلام الأستاذ أسامة الشيخ الذى ألمس فى قراءاته واهتماماته فى السنوات الأخيرة نزوعاً نحو تجليات الفكر الصوفى.. والحقيقة أن سباحة الشيخ الفكرية اقتلعتنى من قوقعة ذاتى وأغوتنى بالكتابة بعد توقف تجاوز الشهر خاصة أن المعانى السجينة داخل تعابيره كنت قريباً منها وأنا أقرأ عن عصر ما بعد الحداثة وانهيار النظريات والفلسفات لصالح الفردية التى جعلت الإنسان المعاصر يشبه دودة القز التى تنسج وتبنى الشرنقة التى تموت فيها بإرادتها أو رغماً عنها.

ومن وحى ما كتب الأستاذ أسامة الشيخ وما قرأت أقول إننا فى مصر ومنذ منتصف السبعينات نحاول دولة ومجتمعاً أن نعبر من عنق الزجاجة، ولكن وبعدما يقرب من نصف قرن يبدو أننا اكتشفنا أو سنكتشف أنه لم تكن هناك زجاجة لنحلم بعبور عنقها، وأننا كمجتمع طوال هذه السنين كنا نرى فيما يرى النائم الكثير مما حرمنا منه فى يقظتنا، وخيل إلينا من كثرة الأحلام أن هناك زجاجة حشرنا فيها وجل ما نتمناه وتهفو إليه نفوسنا أن نعبر من عنقها حتى لو كان الخروج سيدفعنا فى زحمة التمنى إلى التكدس أمام بحار من سراب..

أتصور أننا كمجتمع الآن نحن بحاجة إلى حلول نفسية أكثر من حاجتنا إلى حلول اقتصادية لأننا أمام حالة من التشوه الذاتى وانعدام الكثير من المرجعيات الأخلاقية والدينية والسياسية والاقتصادية.. جوهر المعاناة والشعور بالقلق كما قلت ليس اقتصادياً بنظرى رغم أن حبال الأزمات تضغط علينا بشكل مفجع - الألم الحقيقى أننا كمجتمع فقدنا خلال نصف قرن مضى سقف الأفكار والتقاليد والفلسفات التى صبغت حياتنا على الأقل منذ بدايات القرن التاسع عشر وأصبحنا الآن نعيش الحياة يوماً بيوم.. حياه «دليفرى» من كل الوجوه.. حياة مكشوفة تساوى فيها الكبار والصغار والعقلاء والصعاليك والرهبان والفجرة والشيوخ والقتلة.. لم يعد شىء يهم ولم تعد هناك ثمة قاعدة يمكن الرجوع إليها وقت جدل الأفكار لأن النزعة الفردية وانكفاء الذات على الذات هما مرجعية كل إنسان..

ثورة يناير 2011 مثلاً انطلقت بأهداف نبيلة لكن جماهيرها لم تحكمها نظرية أو يجمعها تيار.. الملايين كانوا ملايين حسابياً ولكنهم كأفراد كانوا مسجونين انفرادياً داخل زنازين ذواتهم وأفكارهم - وإذا كانت لوحة الموزاييك الجماهيرية قد أزاحت نظاماً سياسياً ظل متمترساً فى السلطة ثلاثين عاماً إلا أن من قطف الثمرة وملأ الفراغ لم تكن فسيفساء الجماهير ولكن جماعة منظمة لها مرجعية - وبرغم أنها مرجعية لا تعلى من قيمة الوطن والمواطنة، إلا أنها استطاعت بسهولة أن تزيح الجماهير وتفككها حسابياً لأنها بالأساس مفككة تنظيمياً ومكشوفه اجتماعياً وثقافياً.. وعندما تختلط الألوان ببعضها تفقد ذاتيتها وخواصها وهذا ما حدث لنا كمجتمع عندما تلاشت المسافات بين الجمال والقبح وبين العمل والتنبلة وبين التفوق والفشل وبين الحب والكراهية..

وحين أتوقف أمام فوضى المرجعيات الدينية أستطيع أن أرصد بضمير مستريح علاقة طردية بين تعاظم التدين الكاذب والتكاثر الأرنبى للدعاة الجدد الذين أغرقوا الناس فى عوالم هزلية وقدموهم قرابين لآلهة مزيفة.. وختاماً إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعى قد وسعت من دوائر الحوار بين الناس - إلا أنها استبدلت الواقع بعالم افتراضى ومنحت الجميع حق البطولة الوهمية.. بطولة بلا معارك ولا مواقف.. هدير قد يشعل ثورة ولكنها ثورة بلا ثوار وجنرالات بلا معارك وأحياناً آلهة بلا سماوات ولا رسل ولا رسالات ولا ملائكة ولا تابعين.. وفى زمن اللامعنى قد تصبح الغربة وطناً كما تصور وتساءل الأستاذ أسامة الشيخ..