رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

 

ظل «عم حامد» يأتى كل يوم لمدة لا تقل عن شهرين، حاملاً قسوة الظلم وتعب السنين والأيام التى جارت عليه فى شنطة بلاستيك تضم كذلك صورًا أوراقًا رسمية، عن قضية فساد فى شركة المطاحن، التى يعمل بها.. ورغم إننى كنت أشفق عليه عندما يدخل علىّ صالة التحرير فى مبنى الوفد القديم فى المنيرة فى أوائل التسعينيات، بوجهه الأصفر الباهت، وبنفسه المقطوع من السلم المرتفع الذى يصعده فى تعب شديد وعلى أكتافه عشقه لهذا الوطن وكأنه صليب من خشب قاس بلا قلب على من زرعه يوماً شجرة ازهرت وأثمرت وأظلت الملايين!

انحنى «عم حامد» من شدة الفقر، والعوز، ولكنه لم ينحن أمام الفساد الذى بدأ يعلن عن نفسه بفظاظة الفاسدين، وبغلظة السلطة التى بدأت تتلمس طريقها نحو الفساد فى أوائل التسعينيات.. وتوسم «عم حامد» فى سلطة الصحافة لحمايته منفسدة السلطة.. ولما نشرت موضوعه غضب منى وقتها وزير التموين، وكان صديقى، إلى درجة أنه قاطعنى تماماً.. ومن يومها تكشّف أمامى هذا الصراع الخفى على استحياء مرة، والعلنى والمكشوف بوقاحة عشرات المرات بين السلطة والصحافة لسيطرة أحدهما على الآخر، حيث ترى السلطة، أى سلطة فى العالم، أن الصحافة مجرد أداة لسياساتها، بينما الصحافة ترى وظيفتها التعبير عن الرأى العام لا عن رأى السلطة!

وعلاقة السلطة بالصحافة، والصحافة بالسلطة، هى علاقة معقدة ومركبة وعميقة، فى دهاليز السلطتين.. وهذا الصراع كان بارزاً فى نظام حكم المخلوع مبارك، حيث كانت هناك أجنحة فى السلطة تتصارع فيما بينها على السيطرة على الصحافة، أو بعض منها، وتحاول أن تستخدمها ضد خصومها من الأجنحة الأخرى داخل مطبخ السلطة، وفى المقابل هناك دائماً، البعض من داخل سلطة الصحافة على استعداد للبيع بثمن ما لصالح سلطة الحكم، أو على الأقل لأحد أجنحتها.. ولذلك تظل النهاية المأساوية للكاتب الكبير محمود عوض الذى مات منكفئاً على وجه وحيداً منفياً فى شقته، نموذجاً لغضب السلطة ورموزها من داخل الوسط الصحفى نفسه، على سلطة الصحافة رغم أن محمود عوض كان واحداً من القلائل الموهوبين فى تاريخ الصحافة، ومن الذين كان الكبار فى السياسة والأدب والفن يحاولون التقرب منه.. وليس العكس كما جرى ويجرى!

ومن المؤكد أن الرئيس الأمريكى ترامب لم يسمع يوماً عن «عم حامد» الذى كان واحداً من طابور طويل قاوموا السلطة بالصحافة، وقد انضم مؤخراً لهذا الطابور الصحفى الأمريكى، مايكل وولف، الذى صدر له كتاب بعنوان «نار وغضب» نجح فى كشف الكثير من أسرار الرئيس الأمريكى وعائلته، مما أثار غضب ترامب من سلطة الصحافة التى تحاول أن تقصيه عن السلطة وتقضى على سلطته!

[email protected]