رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

فى ذكرى وعد بلفور 2 نوفمبر 1917

كانت الكتابة هذه المرة أمراً عصياً، فإننا لا نستطيع أن نكتب أو نكتب.. أو نعبر أو نعبر، أو نخطب ونخطب.. ونقيم المؤتمرات وتعلو الرايات.. وفلسطين تذبح أمام أعيننا، والعالم أجمع، ولا تستطيع كل هذه «المناحات» أن تقف أمام رصاصة تخترق الصدور، أو تقف حائلاً أمام مقتل طفل رضيع يموت على صدر أمه.. ضاعت فى دنيا الكلمات.. وما بقى للبكاء والحزن والعويل مكان.. أمام هذه «المجزرة البشرية» التى نشاهدها صباح مساء.

<>

قديماً قيل: «السيف أصدق أنباءً من الكتب» فى حده الحد بين الجد واللعب.

وأيضاً قال صاحب لنا قديم، والحرب وويلاته، والدم والدمار، بل والعار على أرض فلسطين.. أعلن وأعلن فرسان هذه الأمة «القدامى» ما عاد للكلام أو الصراخ أو البكاء من سبيل ليقف «حائط صد» أمام الغدر الإسرائيلى.. فى بشاعته وفى تدميره لكل القيم الإنسانية والحياتية.. وأعاد ويعيد أمام الدنيا، وكلهم شهود «شريعة الغاب القديم».

وكان فرضاً علينا، أن نعد العدة، وأن نواجه الطاغوت لا بهذه «الوسائل السلبية» المبللة بالدموع، وإنما بالسيوف، إذ القاعدة الأزلية، أن العين بالعين والسيف بالسيف، ونقول إذن:

إذا تكلم السيف فاسكت حامل القلم

«إن السيوف ضياء الحق فى الظلم»

وهذا هو «حقيقة العنوان»..

القتل لا ينهيه إلا القتل، وما الجزاء إلا من جنس العمل..

<>

وكان لابد من خلع رداء السلبية، ويكفى على هذه الأمة التى مات رجالها منذ أمد بعيد وزفت صوب القبور، وإذا امتلأت القبور، ما بقى لنا إلا أن نأخذ بالثأر.. نعم إن القاعدة الأصيلة تقول: «إن الدم يستصرخ الدم، ويحرك الوجدان العربى» مذكراً كل العرب بماضيهم التليد، أيام «الفروسية العربية التى انتهت وأصبح الحديث عنها فى «ذمة التاريخ»، ولكن.. نقرر باسم هذا التاريخ أن الجذوة المشتعلة فى صدورنا نحن العرب لن تخمد أبداً، فهى جديدة ومتجددة إذا أصابتنا نازلة أو كارثة.. هنا يظهر «المعدن العربى أكثر بريقاً».. ورأيت الشباب جنباً إلى جنب مع الشيوخ، متضامنين متآزرين فى شوق إلى الموت دفاعاً عن كرامتهم، لأنه فى «وجدان كل فارس عربى» دم عربى يغلى إذا سخن الجراح فى عروقهم صدى قولة خالد بن الوليد.. من هناك على «ضفاف اليرموك»: نحن قوم نحب الموت حبكم -والخطاب إلى قائد الفرس فى ذلك الزمان- للحياة.. وصدى قولة حكيم عربى: «احرص على الموت توهب لك الحياة».. وهكذا فإن الفروسية فينا «تجرى مجرى الدماء».. ولنستمع إلى حكاية فارس عربى فى مناسبات متماثلة، والأخطار تحيط به من كل جانب: قال فى غضب نبيل «مخاطباً فرسه» وهو يخاطب فرسه والمعركة تدور رحاها: قائلاً لجواده: الحياة ذل فى ظل هذا العراء والحياة أيضاً فى هؤلاء الذين كانوا من الشجعان، وماذا يا ترى كيف أخذ القرار: لابد أن أدافع عن حزنى ويا مرحباً بالموت فى تحقيق الآمال.. وهو ميدان كل الشجعان:

أذل الحياة وذل الممات وكلا أراه طعاماً وبيلا

فإن كان لابد إحداكما.. فسيرى إلى الموت سيراً جميلاً

وهذا صدى لشاعر فارس:

عش كريماً أو مت وأنت كريم

بين طعن القنا وخفق البنود

<>

مأساة، مذبحة، مجزرة تدور على ساحتك يا فلسطين، العدو الجبان وقد تجرد -كعادته- من كل معانى الإنسانية القتل والغدر عنوان حياته وسند وجوده، وما يدور على أرضك الطاهرة والعالم كله يتفرج، والأهل والأصحاب من العرب جيرانك ليس لهم من سبيل سوى ترديد ما تقوله الأنباء: كم شهيداً قد سقط اليوم، بل وكم جريحاً، أصبح شغلهم الشاغل يريدون -بكل أسف- لغة الأرقام فى الموتى والجرحى، وليس عندهم أى حل من الحلول.. وهكذا تكشف لنا الأيام كل جديد عنهم، إنهم -فقط- يؤثرون الحياة والمناصب والجاه وجمع المال.. أما الشرف وأما الكرامة وأما الجهاد وأما الفروسية هى أشياء يعرفونها -فحسب- فى «كتب التاريخ وسيرة الأبطال»: منذ فجر تاريخ الفروسية العربية، وعنوان اليوم فى انتصارات صلاح الدين فى حطين، وخالد بن الوليد فى اليرموك وفتوحات أبى عبيدة بن الجراح.. ومشت قافلة الأبطال وأنتم على ذات الدرب تجاهدون وتموتون واعلموا علم اليقين أنكم الأعلون وفى مقعد صدق عند رب العالمين، أحياء فى جنة عرضها السماوات والأرض.. وإذا سقط منكم شهيد بعد شهيد زفته الملائكة فى موكب من نور.. وسلام عليكم فى الأولين والآخرين، واعلموا علم اليقين أن النصر لكم وبفضلكم عند نهاية المشوار، مهما كانت المعارك مملوءة ومخصبة بالجماجم والدماء.. أبشروا.. وأبشروا، أما عن أعدائكم.. أعداء الله.. سوف يصدق عنهم ما قاله فيهم رب العزة.. وهى حكمة إلهية باقية ما بقى فى الدنيا.. صراع بين الحق والباطل وللباطل جولة.. وللحق ألف جولة:

«وسيهزم الجمع ويولون الدُبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمّر».