عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

فى عام 1989 فجر الناقد لويس عوض قنبلة مدوية عندما أصدر كتابه «أوراق العمر» الذى تضمن الجزء الأول من سيرته الذاتية اتسم بالراحة المطلقة، وتعرى فيها تمامًا أمام المتلقى، وتطرق إلى أفراد أسرته، فشقيقاته أصابهن الأمراض والجنون، وشقيقه أستاذ الجامعة كان متوسط الذكاء لا يتمتع بالإبداع، ويغار منه فى أعماق نفسه ويحسن إخفاء هذه الغيرة تحت قناع هدوئه، وأنه مهما حاول فلن يصيبه ربع ما أصبت من تأثير فى المثقفين سواء بالقبول أو بالرفض، ولم تتوقف الاتهامات عند هذا الحد، بل وصلت إلى وصفه بالجبن والخوف من الأعداء والمجازفات، وسرعان ما نفدت طبعات الكتاب خلال أسابيع قليلة ومات لويس عوض ورفض الورثة إعادة طبع الكتاب مرة أخرى.

والآن بعد مرور 27 عامًا على رحيل لويس عوض هل مازالت نظرة المجتمع لاعترافاته ثابتة، وهل لو امتد به العمر لدافع عنها ولم يتنصل منها، الحقيقة الكاملة خالية من القشور العابرة والمصالح الزائفة وتعد درسًا للأدباء والكتاب فى الإخلاص للحقيقة التى غالبًا ما تكون صادمة وعنيفة ومؤلمة ليست لصاحبها فقط، بل للمحيطين به.

يذهب البعض إلى أن اعترافات لويس عوض فى كتابه «أوراق العمر» فتح جديد فى عالم الأدب وتحمل الكثير من الجهد، وصدرت عن مفكر حر وعالى الهمة، يتمتع بالليبرالية الراديكالية ممزوجة بالاشتراكية التفاعلية، و«عوض» بدأ حياته الأدبية مبكرًا، حيث كتب «مذكرات طالب بعثة» وهو مازال طالبًا، تعد هذه المذكرات من أجرأ السير الذاتية إن لم يكن أجرأها على الإطلاق، فهى أجرأ من سير طه حسين وزكى نجيب محمود والعقاد، ولا يساويها سوى مذكرات شكرى عياد، الذى نجح مع عوض فى اختراق «التابوهات المحرمة» بطريقة عصرية ورقى رائع. ويكفى أن نعرف أن الذين تحدثوا عن حياتهم الخاصة بشجاعة مصطنعة ذكروا لنا الأحداث المعلومة للجميع مثل تزوجت من فلانة وعملت بكذا، والفريق الآخر عندما أراد البوح اختار الرمز وتوارى خلف البطل كما فعل العقاد فى «سارة» والمازنى وغيرهما، وحول ما سببته مذكرات «عوض» من بعض المشاكل لأسرته عندما أذاع جزءًا منها .وقد وصفها المؤيدون بالقول: إنها مشاعر صادقة تمثل ارتقاءً للروح وتطهيرًا للنفس، ويعتقد هذا الرأى أن كل مبدع مطالب بالصدق والشفافية وكشف الحقائق أمام المتلقى، ويختلف فى ذلك مبدع يستخدم أدوات تعينه على التعبير برقى، ومبدع آخر ينزلق إلى الحديث بألفاظ تخدش الحياء وتنفر المتلقى من متابعة ما يقرأ.

ويوضح هذا الرأى أن لويس عوض قدم فى سيرته الذاتية والفكرية أفضل نموذج يمكن أن يصل إليه المثقف فى اعترافاته حيث لم يكن بوسع أحد أن يصل فى الصراحة والمكاشفة إلى ما وصل إليه «عوض» الذى تمتع بقوة معنوية وروحية هائلة جعلته يجسد المثل الإبداعى الأعلى. فاعتراف «عوض» بالضعف دليل قاطع على العظمة، وبالتالى استطاع من خلال هذه الصفحات من سيرته الذاتية أن يكشف عن أصدق ما يمكن أن يثور داخل المثقف المبدع فى نقد الذات ومواجهة نقائص الأسرة بعيدًا عن الزيف والتكلف والمداهنة الاجتماعية.

[email protected]