رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

وسط هذا الزخم المثار حول قيام الدولة الكردية؛ يشتم الجميع رائحة المؤامرة الصهيونية الإمبريالية لتقسيم المنطقة؛ فتلك الفتنة تشتعل بين وقت وآخر؛ ولقد تمّ إحياء «القضية الكردية» مجدّداً بعد الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003، واندلاع الحرب السورية فى عام 2011، حيث انتعشت آمال الأكراد بإمكانية تحقيق حلمهم الذى دفعوا من أجله الكثير، فى ظلّ انهيار خطير ضرب البنى المؤسساتية والمجتمعية فى المنطقة، مع تصاعد فى التدخلات الغربية المؤيدة لما يسمّى «استقلال الدولة الكردية» فى العراق، والتى ستمتد لاحقاً نحو تركيا فسوريا وإيران، ولتأخذ «كردستان التاريخية» شكلها الجيوسياسى المرسوم.

وفى الواقع فإن فكرة تقسيم العراق إلى دويلات وأقاليم طائفية أو إثنية تدخل فى صلب العقيدة الاستراتيجية المحبذة لنشوء كيانات سياسية إثنية للأقليات يمكن أن تتلاقى مصالحها مع المصالح الإسرائيلية فى المنطقة؛ وهو ما يصب فى مشروع إقامة الدولة الكردية. وعلاقة الأكراد بالإسرائيليين بدأت منذ عام 1943 وتعمقت بعد قيام الدولة العبرية، وساعدت إسرائيل الأكراد فى معاركهم مع الأنظمة العراقية منذ أيام الملكية وما بعدها، وقد أمدّتهم أكثر من مرّة بالسلاح والأغذية والمعونات الصحية، والأموال، وأنّ ممثلين من الموساد الإسرائيلى زاروا المواقع الكردية فى شمال العراق فى فترة الستينيات، وكانت الاتصالات بينهم تجرى عبر طهران فى ظل حكم الشاه، وعبر العواصم الأوروبية، خاصة فى باريس ولندن، وزعيم الكرد الراحل مصطفى برزانى زار إسرائيل مرتين، والتقى هناك القادة الإسرائيليّين وقادة الموساد فى أواخر الستينيات.

وفى فترة الخمسينيات، بدأت العلاقات مع إسرائيل تأخذ شكلاً عملياً حيث  كانت تجرى عن طريق ثلاث قنوات، أولاها الاستخبارات الإيرانية، وثانيتها نشاط الأكراد فى أوروبا مع السفارات الإسرائيلية، وثالثتها علاقة (مصطفى) برزانى بصديقه القديم موريس فيتشر، سفير إسرائيل فى روما. فلقد رأى برزانى رأى ضرورة الاتصال بإسرائيل بطريقة مباشرة منذ عام 1963 لتساعده على تحقيق حلم الأكراد فى بناء حكم ذاتي، بعدما فشل مع الحكومات العراقية؛ ولذلك استعان بشخص يدعى بدر خان من الاستخبارات الإيرلندية؛ والطريف أن المؤرخين والوثائق يؤكّدون أنّ العلاقة الإسرائيلية مع قادة الأكراد تعود إلى عام 1931، إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل. وقتها، كان للوكالة اليهودية مندوب اسمه روفين شيلو، يقيم فى جبال كردستان، ويتحرك تحت غطاء عمله الصحفي. وعلى مدى 12 عاماً (1963 ـــــ 1975) عمل إلى جانب مصطفى برزانى وفد استشارى إسرائيلى كان يُغيَّر كل ثلاثة أشهر، وعلى رأس هذا الوفد كان مندوب الموساد، وإلى جانبه ضابط عسكرى من الجيش الإسرائيلي، إضافةً إلى مستشار فنى خاص. وكان الموساد والمستشارون الإسرائيليون يقدمون المساعدة إلى برزانى لتعلّم أساليب الحرب الحديثة، وغالباً ما كان الإسرائيليون يصطحبون وفداً طبياً للإسهام فى معالجتهم.

وكان الإسرائيليون فى شمال العراق يجهدون للظهور بمظهر الأكراد، على الأقل فى ملابسهم. والجميع يعلم أن برزانى احتفل مع الإسرائيليين فوق جبل شمال العراق بدخولهم القدس عام 1967 بذبح كبش علّق فى رقبته شريطاً من اللونين الأزرق والأبيض، رمزاً للعلم الإسرائيلي، وكتب عليه: هنئوا إسرائيل لاحتلالها بيت المقدس.. وترى إسرائيل أن  الداعم لاستقلال كردستان أهمية خاصة فى ظل التطورات الأخيرة التى يشهدها العراق ونشوء الدولة الإسلامية بزعامة «داعش» والصراع السنى- الشيعى الذى بدأ فى تفكيك دول مثل سوريا والعراق. فمن هذا المنظور الأكراد بالنسبة لإسرائيل حليف موثوق وهى تستطيع التعويل على المصالح الاقتصادية والعسكرية المشتركة بينهما. ناهيك بأن كردستان اليوم هى بمثابة جنة استقرار فى قلب العراق المضطرب، والأهم من هذا كله أنه يمثل موطئ قدم بالغة الأهمية بالنسبة للاستخبارات الإسرائيلية فى المواجهة الدائرة مع إيران على خلفية برنامجها النووي، أو بالنسبة لمواجهة الخطر الجديد الذى يمثله الجهاديون والإسلام الراديكالى المتشدد فى العراق وسوريا؛ والمؤسف أن ما يشجع الإسرائيليين على الحديث علناً عن دعمهم للأكراد أن دولاً إقليمية مهمة أخرى مثل تركيا لا يبدو أنها تعارض استقلال كردستان.