رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بدون رتوش

الحديث عن القدوة النموذج، وعن المعلم الكبير يستدعى السيرة العطرة للدكتور زكى نجيب محمود فى الذكرى الرابعة والعشرين لوفاته، حيث رحل عن عالمنا فى الثامن من سبتمبر 1993. إنه المفكر الفيلسوف الذى وثق وجوده بعلم غزير وتأثير كبير حيث لا يزال هو الضمير المجسد لكل حريص على أن تكون لنا ثقافة تستحق الاحترام. ويكفى أن قراءة تراث هذه القامة من شأنها أن تعيد لنا الثقة وتساعدنا على اكتشاف طريق الخلاص وتحقيقه عبر العقل المبدع. وكأن واقع الحال يقول لنا بأن من أراد أن يلتمس دواء أى علة فى مجال الثقافة سوف يجده عند الدكتور زكى نجيب محمود حكيم العرب.

إنه المفكر الموسوعى والذى تم توصيفه بأنه فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة. حاول مزج الفلسفة بالأدب واستطاع أن يفك أصعب طلاسم الفلسفة بحيث جعلها فى متناول كل قارئ. يعد الدكتور زكى نجيب محمود أول من دشن تيار الواقعية المنطقية فى مصر والعالمين العربى والإسلامى. عرف بأسلوبه الأدبى الرفيع المتماسك والأنيق والذى استطاع عبره أن يخلق صلة بين الوعى الفلسفى والذوق الأدبى. ولعل خير شاهد على ذلك كتاباته فى الفلسفة والمنطق مثل «المنطق الوضعى»، و«خرافة الميتافيزيقا»، و«برتراند راسل»، و«جابر بن حيان». هذا بالاضافة إلى ما كتبه عن الحياة الفكرية والثقافية مثل» ثقافتنا فى مواجهة العصر»، و«رؤية إسلامية». كثيراً ما حذر الدكتور زكى نجيب محمود من خطر الوقوع فى أسر الفكرة الواحدة منبها دوما إلى الفرق بين احتكام الانسان إلى عاطفته واحتكامه إلى عقله، حيث إن سلطان العاطفة إذا تحكم فى المرء سيقوده حتما إلى التعصب بل والتطرف. وكثيراً ما حذر من الحاكم الذى يأخذ فى يده كل شىء حيث إن هذا سينتهى به إلى أن يكون طاغية.

إنه زكى نجيب محمود القامة الفلسفية السامقة التى لا يمكن أن تقارن وسط من تحولت لديهم الفلسفة إلى سفسطة كاذبة وتجارة رخيصة وتكرار أعمى وتخبط عشوائى وصياح غوغائى بكلمات وشعارات كان لابد أن تخضع للمراجعة الشاملة. استطاع المفكر القدوة بما لديه من ضمير وتمكن معرفى وتأسيس فلسفى أن يلم بالجذور والأصول وأن يحرز كل الملكات الحقيقية للنقد والتأصيل. عمل بصبر ودأب على تربية الحس النقدى الذى لا يمكن بغيره أن يستقيم علم ولا فلسفة ولا حياة واعية ليبقى النقد بمعناه الشامل هو روح الفلسفة.

لقد حقق الدكتور زكى نجيب محمود بفلسفته العلمية التحليلية قدرًا لا يستهان به من المهمة التى ينتظرها كل حريص على الحاضر والمستقبل من توظيف الفلسفة فى نقد واقعنا وتنبيه وعينا لكى تكون بذلك قد أدت دورها الاجتماعى بعيداً عن تزييف العقل واهدار المعقول أو سحقه وطمسه. حاول أن يعيد الزمن المعوج إلى محوره ويساعده فى صدق على تكوين الضمير الثقافى من خلال الجدية والأمانة ليؤكد بذلك ما سبق وأكده افلاطون من قبل فى الجمهورية من أن عدم وجود فلسفة على الإطلاق أفضل بكثير من وجود سفسطة فارغة. ويعد زكى نجيب محمود أحد أبرز أعلام الفكر العربى فى القرن العشرين ويكفى تميزه وتفرده فى تمثيل الفلسفة الوضعية فضلا عما قدمه من رؤى وأفكار كانت مثار نقاش وجدل كبيرين. ولهذا سيظل الأديب الفيلسوف علامة فارقة بكلماته وأفكاره وتجارب حياته وحكمته ورحلته الطويلة مع الكتب والناس، فهو المعلم والقدوة والنموذج عالى الهمة، جسد شخصية الحكيم الذى لا يبحث فى حياته إلا عن الحقيقة والمنطق. لذا فإن حضوره الأثر سيظل ماثلا أمام الجميع.