رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

لم يعرف الوهن  طريقا إلى  روحه.  فأجواء  اليأس  والتشاؤم   تتفشى فى مناخ الضعف والتراجع،  ولا تمت  أبداً بصلة إلى المبادئ الراسخة والثابتة،  وبرغم ثقل الضربات الموجعة التى لم تكن تأتيه من الأنظمة المتعاقبة وحدها، بل أيضا من ذوى القربى ورفاق الطريق أسال رفعت السعيد أنهاراً من الحبر فى الكتب والخطب والمقالات مدافعاً عن الحياة البهية العافية التى تستحق الشعوب أن تحياها،  ومبشرا بأن كل ظلام تعقبه شمس النهار تضئ الدنيا مرة أخرى،  وأن المناضل السياسى محكوم عليه بالأمل  وبالكد والعمل المضنى لمساعدة مجتمعه للتحرر من كل أشكال  الشقاء،  وجذب أحلامه التى لا تنتهى،  من أفق السماء إلى أرض الواقع.

كانت الأيقونة التى قبض عليها قبضة محارب صلب يأبى ترك السلاح ولا يشكو التعب وطول انتظار الوعد بذلك الذى سيأتى،  ولكنه لا يأتى،   هو الشعار الذى كان عنواناً لمشواره المهنى والبحثى والفكرى والسياسى، وظل ملازما له على امتداد أكثر من ستين عاماً وحتى اللحظات الأخيرة من حياته،  وهو العمل  بكد ودأب واجتهاد فى أقسى الظروف وأكثرها ظلاماً،  استثماراً للوقت والزمن فيما ينفع ويفيد الناس.

وعلى امتداد أكثر من أربعة عقود، كان الدكتور رفعت السعيد هو أول من يصل إلى مقر حزب التجمع  فى الصباح الباكر  ليمارس عمله مشرفاً عاماً على مقره،  ثم أميناً عاماً للحزب، وكرئيس له، وحتى بعد أن أصبح يرأس المجلس الاستشارى للتجمع فى السنوات الأخيرة. وفى الساعات التى كان يمضيها فى التجمع،  كان يلتقى بأعضائه وقياداته ويحضر اجتماعاته، ويجرى مناقشات مع أطراف سياسية مختلفة من خارج الحزب ومن خارج الوطن. وساهمت هذه الصفة التى لازمته طويلاً فى حل عشرات المشاكل والمآزق التى تعرض لها التجمع خلال السنوات الأخيرة، إذ كان يسعى بمجهود خارق لا يقوى عليه سواه، إلى أن يجد المشترك الذى يؤلف بين المختلفين، واضعاً نصب عينيه أن يواصل الحزب دوره على الساحة السياسية، فى ظروف لم تكن غالباً مواتية،  ووسط تعقيدات تتعلق بطبيعة تكوين التجمع نفسه، الذى بدأ كائتلاف يسارى يضم  فصائل متعددة تتفق فى الأهداف العامة، وتحتاج إلى وقت لكى تتغلب على التناقضات  فيما بينها بشأن بعض القضايا التفصيلية. وسط هذه الأنواء العاتية،  لم يكن يفعل سوى ما يتفق مع قناعته، لا مع ما يريد له الآخرون فعله، مع الضرورات التى تبيحها المحظورات، مع الممكن المتاح  طالما كان للمستحيل تكلفة غالية الثمن ضئيلة الجدوى، لهذا ولغيره كثير لم يكن يأبه للمتعطشين للمزايدة والابتزاز الذين لا تحركهم سوى شراهة المنافسة وسوء الفهم وقلة الإدراك.

أمتلك القدرة على إدارة الأزمات، والاحتفاظ بشعرة معاوية التى إذا شدها المختلفون أرخاها،  وإذا أرخوها عاد إلى شدها، يساعده على ذلك خبرة سياسية تكونت عبر سنوات طويلة من تجارب مريرة من النضال السياسى داخل السجون وخارجها ووسط حركة اليسار المصرى منذ مطلع شبابه وحتى وهو على مشارف السادسة والثمانين، فضلا عن ثقافته وشغفه بالتاريخ  الذى يذهب إليه  مؤرخاً بحثاً عن إضاءات للحاضر  والمستقبل،  وللشعر الذى  كثيراً ما استخدمه للتلميح بدلاً من الإفصاح عما يريد قوله بشكل مباشر،  لكى لا يجرح ولا يسيل دماء.

كان رفعت السعيد وسيبقى نموذجا مشرفاً لليسارى المصرى الذى وهب عمره وجهده لدراسة تاريخه وتاريخ الجماعات المتأسلمة وكان كزرقاء اليمامة حين حذر منذ وقت مبكر من مخاطرها وسعيها الذى لا يتوقف لتحويل مصر إلى دولة داعشية، واختطاف المنطقة كلها لمشروع داعش الظلامى.

وكان واحداً من عباد العمل مثله مثل نمط الشخصية المصرية الفرعونية التى بنت الحضارة، ومثل كثيرين ممن أمضوا عمرهم يناضلون من أجل الحرية والاشتراكية، ويواصلون جهود الأجيال الرائدة التى رفعت رايات العدل الاجتماعى فى ربوع هذا الوطن، وكان فارساً مبشراً دوماً بالأمل وسط الأوحال والأشواك والأنواء العاصفة.