رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على الهوا

يواصل الممثلان رامز جلال وهانى رمزى هذا العام تقديم الجرعات المكثفة للسلوكيات والعبارات السوقية التى تتنافس فى بلوغ قاع الإسفاف والبذاءة بوضع ضيوف البرامج فى بؤرة خطر داهم، تنفجر بعد الكشف عن حقيقة هذه المخاطر وأثناء التعرض لها، تنفجر ردود الفعل بكل ما حوته قواميس الشتائم وصولاً إلى الاعتداءات الجسدية.

هذه البرامج تنتمى إلى نوعية برامج «الكاميرا الخفية» التى تعتمد على تصوير ردود الفعل لدى المواطنين عندما يواجهون مواقف شاذة أو مستفزة أو غريبة.

ومثل هذه البرامج تحظى بنسبة مشاهدة عالية، ولهذا تقبل القنوات التليفزيونية على بث هذه النوعية من البرامج.

وهنا يفرض السؤال الطبيعى نفسه، هل تنحصر جاذبية هذه البرامج فى استفزاز مشاعر المواطنين المشاركين ليكشفوا عن مشاعر الخوف والفزع الإنسانى بكل ما يصاحبها من ضعف وغضب يتم التعبير عنها بأكثر الأساليب انحطاطاً وسوقية! أم أننا نستطيع أن نوظف هذه النوعية من البرامج للكشف عن النبل وكل العواطف الإنسانية الراقية لدى المواطنين؟

الإجابة عن هذا السؤال عثرت عليها فى برنامج من هذه النوعية أنتجته مؤسسة بأحد البلاد العربية الشقيقة ويعرض على بعض الشاشات فى مصر.

البرنامج الذى أتحدث عنه هو برنامج «الصدمة» وقد شاهدت بعض حلقاته مستمتعاً بحالة الرقى المتدفقة مع مشاعر مواطنين عبروا بعفوية عن سلوك إنسانى بالغ الرقى، وكشفوا عن الجوهر النقى للإنسان فى كل مكان.

هذا البرنامج يقدم من أكثر من بلد عربى، ويعتمد على تقديم الفئات الاجتماعية وهم يواجهون مواقف تستفز مشاعرهم الإنسانية.

أحدث الحلقات شاهدتها وكانت تسجل ردود فعل المواطنين العاديين فى أحد شوارع بيروت، كان المشهد لطفل صغير وطفلة، كل منهما ارتدى ملابس لا تقيه برد الشتاء، ويتقدم الطفل أو الطفلة إلى العابرين بالشارع يطلبان منهم أن يوفروا لهم بلوفر «كنزة» أو ما شابه ليحتموا به من برد الشتاء، ونرى بعض من سألهم الطفل أو الطفلة وهم يقدمون لهم بعض المال، لكن الطفل أو الطفلة يرد كل منهم بأدب وبطريقة غاية فى الاحترام للكرامة الإنسانية «ما بدى مصارى يا عمى بدى كنزة شان البرد»، هذه الجملة بحد ذاتها أراد بها منتجو هذا البرنامج أن تكون كل عبارة وكل حركة بريئة تماماً من أى انتهاك لكرامة الإنسان.

المهم أن ردود الفعل كشفت فى معظمها عن تصرفات إنسانية شديدة الرقى، رأينا امرأة تنزع من حول رقبتها شالاً وتلف به رقبة وصدر الطفلة، ورأينا شاباً يمسك بيد الطفل ويذهب به إلى أحد محلات بيع الملابس ليشترى له «كنزة»، وآخرين يخلعون ستراتهم أو بلوزاتهن ويساعدون الطفل أو الطفلة على ارتدائها.. ورأينا من يحاول اصطحاب الطفلة أو الطفل إلى بيته ليختار ما شاء من الملابس ثم يساعده على أن يعثر على أهله.

كانت هذه المشاعر الإنسانية الراقية تتدفق مع كل لفظ فى البرنامج.. ثم نرى مقدم البرنامج يكشف عن شخصيته ويحاور هؤلاء حول دوافعهم للتصرفات التى رأيناها، فإذا بالحوار يضيف بعداً إنسانياً رائعاً لما كشفت عنه التصرفات وردود الفعل العفوية التى سجلتها الكاميرا.

هذا البرنامج فرض علىّ المقارنة بين المحتوى العبثى والسوقى والعشوائى الذى قدمه برنامجا الممثلين رامز جلال وهانى رمزى وبين برنامج «الصدمة» الذى ينتمى لنفس النوعية من برامج «الكاميرا الخفية» لكنه -أى برنامج «الصدمة»- حقق أهدافاً نحن فى أشد الحاجة إليها، وهى عرض أفضل وأنبل ما يستقر فى أعماق النفس البشرية من خير واستقامة، ومثل هذه البرامج هى التى تحقق الهدف الحقيقى من الإعلام وهو الارتقاء بالذوق العام والتحريض على كل ما يدعم المشاعر الإنسانية النبيلة فى المجتمع.

يبقى أن أؤكد أن هذه الحالة والمقارنة بين محتوى وأثر برنامجين ينتميان إلى نفس النوعية، هذه المقارنة تحسم الجدل بين من يدعى أن «الترفيه» يقترن بالابتذال، ومن يقول إن الترفيه ممكن وبدرجة عالية بالحرص على محتوى محترم، لا ينزلق إلى هاوية السوقية والانحطاط.

هناك فرق يا سادة يا كرام.