رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بعد أكثر من 8 ساعات وأنا أعانى الأمرين، ويتم التحقيق معى من قبل ضابط أمن الدولة فى المطار ومن قبل حضرات أصحاب الذقون وزبيبة الراس فى الحجرة السلكاوى.. وجدت الضابط يبشرنى بالخير ويقول.. إن هناك أمراً بالسماح لك بالخروج وبالطبع لم أعد أرى شيئاً أمامى والفرحة الغامرة بالعودة إلى أغلى نقطة على  خريطة الكون بددها هذا الضابط وهؤلاء المتأسلمون، وخرجت من المطار لأجد شنطة السفر وقد تمزقت تماماً بـ«الموس» فقد ظنوا أننى جلبت معى أوراقاً للتنظيم الطليعى من خارج مصر إلى كوادره فى الداخل، وتبين أن الدولة خائفة ومرتعدة بعد مقتل السادات.. وركبت تاكسى لم أعرف إلى أين المسير.. واتجهت إلى منزلنا فى الجيزة فى شارع البحر الأعظم ولم يكن صالحاً للإقامة بعد طول بعادنا عنه، وحاولت الوصول إلى العم صلاح السعدنى الذى أصبح نجماً فى هذه الفترة، ولم أستطع أن أصل إلى عنوانه فتوجهت إلى منزل الخال عبدالرحمن شوقى الكاتب المسرحى والشاعر الكبير ولم يصدق أننى أقف أمامه فخدعته دموعه، ولم أستطع أن أحكى له ما جرى ولكنه شعر بمرارة المأساة وبدأنا نخرج لنشاهد القاهرة وما جرى لها من تغيرات أصابتنى بالفزع.. فلم يعد هناك فراغات فى الشارع الذى تحول إلى كتل أسمنتية لا إبداع فيها.. شوهت منظر القاهرة والجيزة وأصبح القرش هو المعيار الأوحد لتقييم البشر، معاك قرش تساوى القرش.. حتى المشاعر بين الناس والأصدقاء والأهل أصبحت أسيرة لهذا المعيار.

واستمعت إلى اللغة الجديدة التى تنبئ بالتغيير الرهيب الذى أحدثه السادات فى الشخصية المصرية.. فأصبح شعارها «أبجنى.. تجدنى»، ومرت أيام والخال عبدالرحمن شوقى وأنا نلف على مسارح القاهرة لعلنا نعثر على العم صلاح أو على عنوان أو تليفون ولكن مر أسبوع كامل ولم أعثر على ضالتى حتى قابلت الفنان الجميل سيد زيان، واحتضننى الرجل وبكى وسألنى عن عم محمود، وقال: فين فاكهة مصر وضحكتها؟ قلت: إنه فى الخارج يا عم سيد وربما يعود مع تغيير النظام فى مصر، وسألته عن مكان عمى صلاح، فأشار عم سيد إلى قلبه وقال: صلاح ساكن هنا فى القلب يا عمونا.. بيجرى فى الدم.. فى دمونا يا عمونا.. وقتلنا سيد زيان ضحكاً.. وكان هذا اللقاء فى مسرح العمال بشارع الجلاء.. ثم نادى على شاب اسمه زيان وقال له: روح هات عمك عبدالله فرغ.. لى.. وكان سيد زيان يهوى أن يلعب بالأسماء والكلام فيضفى البهجة بطريقته النادرة فى الحكى.. وجاء عم عبدالله فرغلى.. وبعد أن نالنى.. فاصل من السباب الذى هو دليل المحبة والمودة سألنى عن كل أفراد القبيلة السعدانية، وعندما سألته عن العم صلاح.. قال بكل جدية: ما أعرفوش.. فضحكت من قلبى وقلت: ده أنا عاوز صلاح ضرورى يا عم عبدالله.. فقال: ده عزل وساب بيت حماته فى «المهندزين» يقصد المهندسين.. وراح سكن فى حتة تانية.. وهنا تذكرت بالخير العم شريف كمال زميل عمى صلاح وعادل إمام وهو فى نفس الوقت شقيق زوجة العم صلاح.

وأخذنى الحاج شريف كمال إلى العم الأكبر صلاح.. وكانت المرة الأولى التى أشاهد فيها أبناء عمى «ميريت» و«أحمد» ولم نر النوم فى ذلك اليوم.

وفى الصباح الباكر اتجهنا لكى نأخذ شيئاً من النوم، ولكن طرقاً عجيباً أجبرنا على القيام من أحلى نومة، ووجدت أمامى الحاج إبراهيم نافع صديق السعدنى الوفى، والحزن مرسوم على عينيه، وتصور العم صلاح أن مكروهاً أصاب أحداً من أبناء أسرة النوافع، ولكن العم إبراهيم بعد أن جلس وشرب الشاى.. نظر إلىّ وقال: مش لما تيجى مصر يا ابنى تعدى علىّ أشوفك واطمن.. قلت لعم إبراهيم أنا لسة مقابل عمى صلاح إمبارح بس.. وقرأ صلاح على قسمات وجه الحاج إبراهيم علامات أثارت قلقه.. وسأله: هو فى إيه يا حاج إبراهيم؟

وبعد لحظة صمت قال: إمبارح 6 عربيات ملاكى مليانين ناس جم البيت فى شارع الفاتح وخبطوا علينا وطلبونى، قعدت معاهم.. قالوا: ابن السعدنى وصل من أسبوع ومش عارفين له مكان ولازم تسلموا لنا فى أقرب وقت ممكن وإلا!!

وقال الحاج إبراهيم: أنا نظرت للضابط وقلت له: أولاً يا أفندم أنا ما أعرفش إن أكرم وصل من بره، اللى أعرفه أن عنده دراسة دلوقتى فأكد له الضابط أننى موجود بالفعل.. فقال العم إبراهيم.. نظرت إلى الرجل وقلت له: أنا حتى لو أكرم عندى أهون علىّ أسلمك ابنى خالد أو محسن لكن أكرم ابن عم محمود.. مش أنا اللى اسلمه!!

وانصرفت القوة بعد أن نبهت على الحاج إبراهيم ضرورة استكمال التحقيقات فالمطلوب تسديد أوراق وليس إيذاء شخصياً، وهنا اتصل العم صلاح بأحد ضباط أمن الدولة وبدأت رحلة تحقيق جديدة فى لاظوغلى قادها ضابط برتبة عقيد اسمه «م. ع» وتوجهت إلى مقر أمن الدولة ومعى الحاج شريف كمال نسيب العم صلاح وقد أحسست بالأمان خصوصا وأن عم صلاح سافر فجأة إلى عجمان.. واتجهنا إلى مقر أمن الدولة وهناك شعرت أن كل ما قاله الولد الشقى السعدنى الكبير كان فى محله وأن السفر إلى القاهرة فى هذا التوقيت لم يكن أمراً حكيماً على الإطلاق.

وإلى لقاء آخر.