رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

فى الحجرة السلكاوى انتظرت طويلاً هذه المرة ورنت فى أذنى كلمات الولد الشقى يحذرنى من السفر إلى مصر، وقلت لنفسى أنا أستحق الضرب بالحذاء بالفعل، ولكن مصر التى عشقناها منذ الصغر، والجيزة التى من خلال «السعدنى» تصورنا أنها أهم بقعة فى الكون وأهلها هم خير البشر، كل هؤلاء لن يكتب لى على الإطلاق أن تكتحل بهم عيناى، فالسجن فى انتظارى وصحيح أغرب الأنظمة فى بلادنا عندما غضبوا على السعدنى الكبير وسجنه الرئيس السادات فى 15 مايو من العام 1971 فيما سمى بثورة التصحيح.. لم يكتفوا بسجن الولد الشقى ولكنهم فصلوا عمى صلاح من الاتحاد الاشتراكى العربى.. ولم يكن العم صلاح عضواً فى هذا الحزب، ولكنه كان يعمل فى المهنة التى عشقها وخلق من أجلها وهى التمثيل، وحتى مهنة صلاح أصبحت ممنوعة، فقد حرموه من الظهور فى التليفزيون والمسرح والسينما.. وهكذا كان على كل من يمت بصلة للسعدنى الكبير أن يدفع الثمن وهنا ظهر المعدن الطيب لسمير خفاجى صاحب فرقة الفنانين المتحدين الذى عين صلاح فى وظيفة مستشار وهى الوظيفة التى سينضم إليها عدد كبير من المغضوب عليهم بسبب السعدنى، ومنهم الكاتب الساخر الكبير فؤاد معوض الشهير بـ«فرفور»، وعندما جاء دورى وتحولت إلى صيد ثمين فى عين الضابط العقيد وقرر حجزى مع الخطرين فى الغرفة المسورة.. نظرت حولى لأجد مجموعة من الجلاليب البيضاء.. يا سبحان الله وجوههم ليست على شاكلة جلاليبهم يخرج من عيونهم شرار يكفى لإحراق المطار وما يجاوره من أحياء، وجدت كل العيون تركز مع شخصى الضعيف، فنظرت إلى فضاء الكون الذى يفصلنى عن الحرية وتذكرت كلمات أبى فراس:

.....

 أقول وقد ناحت بقربى حمامة.. وقد حط عصفور على السلك.. أيا جارتا.. هل تشعرين بحالى.. وسرحت فى القادم الأغبر الذى ينتظرنى بفضل تحقيقات ضابط أمن الدولة وتمنيت على الله أن أخرج فى جولة أرى فيها مصر ثم ليكن ما يكون.. ومرت بخيالى صورة الغالية الحبيبة أمى -رحمها الله- وهى تحتضنني وكأنها تعلم أنى ذاهب إلى أمر لا تحمد عقباه ووسط خيالاتى وأحلام يقظتى اخترق حاجز سمعى صوت أحدث شرخاً فى طبلة الأذن.. فإذا بى أنظر حولى فأجد كتلة بشرية غطى الشعر الخدين، وأما اللحية فهى كما الشعر الغجرى المجنون، على رأى نزار قبانى، تسرح بلا هدف فى كل اتجاه، تذكرت صورة الكفار فى الأفلام العربى الأبيض والأسود.. قلت فى نفسى نهارنا أغبر بعون الله.. أما الصوت فقد كان الرجل يحاول أن يؤذن ولكن يا سبحان الله ما أقبح صوته، إنهم حتى لا يتعلمون شيئاً من سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» عندما رأى أحد «العبادلله» فى المنام أنه ينادى المسلمين للصلاة عن طريق رفع الأذان، وقال رسول الله «صلى الله عليه وسلم» إنها رؤيا، وسأل الرجل صاحب الرؤيا سيدنا رسول الله أن يتولى مهمة الأذان.. ولكن الرسول الكريم «صلى الله عليه وسلم» نهاه، وقال: دع بلالاً يؤذن، فهو أندى منك صوتاً.. والصوت الندى هو الصوت الجميل الذى تطرب له القلوب، فالدين ليس نصوصاً فقط، والإسلام دين يحثنا على العلم والإبداع والتجويد.. ولكن الأخ الجالس إلى جانبى لم يتركنى إلا بعد أن انتهى من الأذان فى أذنى أنا وحدى.. قلت له «إيه ده؟».. فلم يرد ولكن بعد أن انتهى.. قال: الأذان، عندك اعتراض؟.. فنظرت إليه ولم أرد عليه.. وسألنى أحد الموجودين الأخ «مكرم» فين؟ فقلت له: مش ح يفيدك بحاجة تعرف فين؟ فرد ثالث وقال: يا أخى كن حليماً.. نحن هنا سنقضى وقتاً لا يعلمه سوى علام الغيوب.. ثم سألني أحدهم: قم للصلاة يا مكرم.. ولا أنت قبطى؟ قلت له: قبطى وكلكم أقباط، فسبنى أحدهم وحاول أن يتهجم على شخصى لولا المخبرين المتواجدين بالخارج أمروه بالصمت والجلوس فى مكانه أفضل له.. وطلبت من المخبر الطيب الخروج والجلوس بعيداً عن هذه الحجرة فقال: ماعنديش أوامر يا ابنى.. ونظر إلى الرجل الذى ذكرنى بالأعرابى الذى دخل عليه أبوالعلات ابن جبير فى حضرة سيدنا الحسين رضى الله عنه.. وكان الأعرابى قبيح المنظر لدرجة أن أبوالعلات كاد يموت من شدة الضحك على منظره، وقالها بصوت عالٍ فى المجلس: ويخلق ما لا تعلمون.. ثم دخل فى نوبة ضحك هستيرى وقال للحسين رضى الله عنه: اسمح لى أن أبول عليه.. وكاد الأعرابى أن يقتل أبوالعلات.. أقول هذا الأعرابى الجديد، قال بلهجة آمرة: ابتعد عنا.. وقاموا للصلاة.. ثم وقبل الانتهاء مباشرة من صلاتهم.. قام الرجل المتعهد بتوصيلي إلى البيه الضابط بالنداء علىّ.. مكرم محمود عثمان.. هنا كاد جمع المصلين أن يخرج عن الصلاة.. ورمقونى جميعاً بنظرات كما المدافع الرشاشة.. واتجهت بسرعة الصاروخ إلى الخارج.. وقلت للضابط: لو ح انتظر بره مش راجع غرفة التعذيب دى أبداً وليكن ما يكون.

وسألنى الضابط من السبب؟.. فقلت له مجموعة من الإخوان أشبه بالكفار بتوع أفلام زمان فقال لى: لن تدخل الغرفة وسأطلب من المخبر أن تجلس معه خارجها.

وبدت ملامح إنسانية تظهر لأول مرة من الضابط وقال لى أنا نفذت لك طلبك. عاوز منك فى المقابل تنفذ لى طلب.. قلت لو ح أقدر تحت أمرك، فأعطانى ورقة وقال: اقرأها كويس جداً.. ولو عاوز تعدل حاجة قولى، قرأت ما فى الورقة.. ووجدت المطلوب منى أن أستنكر موقف الولد الشقى من الرئيس السادات وأقر وأعترف بأنه أخطأ فى حق مصر والرئيس.. فأمسكت بالورقة وألقيتها على مكتب الضابط.. وقلت له: ده كلام عيب إنكم تكتبوه.. فنظر إلىّ وقال: رجعوه الأوضة السلك. وأنا فى الطريق سألنى: مش خايف من الكفار؟ قلت له: الكفار أفضل ألف مرة مما تطلبه منى.. فقال: طيب ارجع. وقال: دى مجرد ورقة ماحدش ح يطّلع عليها. قلت له: هل من السهل على حضرتك أن تخون أبوك؟ فنظر إلىّ وقال: أبى لم يخطئ فى حق البلد ولا الرئيس.. وقلت له: السعدنى دفع ضريبة عشقه لهذا البلد سنتين فى المعتقل أيام ناصر ولم يندم على ما فعل ولا نحن، بل العكس كان صحيحاً، فهذا بمثابة وسام للفخر للعائلة بأكملها.. ونفس الأمر حدث مع صديقه السادات الله يرحمه وسجن السعدنى عامين كاملين من أجل ما يعتقد أنه الحق، والسعدنى دائماً يعتقد ما هو الصواب دائماً ولله الحمد، ولو كان خروجى من هذه المحنة مرتبطاً بالتوقيع.. فأحب أذكر لسيادتك أن ما تطلبه لن يحدث على الإطلاق.

ونظر إلىّ الضابط الصغير السن وأنا أعلم تمام العلم أن مشاعر الإنسان داخله فى ناحية وواجب الضابط فى ناحية أخرى. وقال لى: أنت زى أخويا الصغير.. أنت مطلوب بقاؤك هنا حتى يأتى أمر من مكتب السيد الوزير، وبناء على تعليماته شخصياً، وكان الوزير الموجود هو اللواء النبوى إسماعيل وزير داخلية السادات الذى ظل باقياً فى منصبه ومحتفظاً بكل عداوات الرئيس الراحل أنور السادات ومن بينها العداء التاريخى بينه وبين الولد الشقى رحم الله الجميع.