عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

منذ نحو عشرة أعوام أو أكثر وقع فى يدى كتاب شدنى مضمونه وددت وقتها لو ترجمته للقارئ العربى، غير أن الظروف لم تتح لى ذلك، فقدمت عرضاً تفصيلياً له على مدى ست صفحات فى جريدة «البيان» الإماراتية. الكتاب -وقد كان جزءاً ثانياً لآخر قبله- هو «اعترافات قرصان اقتصادى» للأمريكى جون بركنز. بعد سنوات نشرت دار الطنانى ترجمة الجزء الأول من الكتاب، وقد تضمن ما يمكن وصفه بحقائق مذهلة بشأن موضوعه، والفكرة أن بيركنز وأمثاله ممن يدرجون فى عداد القراصنة الاقتصاديين يتم تقديمهم على أنهم خبراء فى التنمية لدول العالم النامى بهدف استنزاف ثروات هذه الدول لصالح إمبراطورية عالمية تسيطر عليها ما يسميه المؤلف بـ«الكوربورقراطية» أى حكم منظومة الشركات الكبرى الأمريكية.

وبصراحة يحسد عليها يقدم المؤلف اعترافاته التى تكشف الأساليب الأخلاقية وغير الأخلاقية التى يتم اللجوء إليها من أجل تحقيق هذه الغاية. النموذج الصارخ الذى يقدمه المؤلف هو الإكوادور التى تم دفعها نحو الإفلاس حيث يعترف بيركنز بأنه خلال ثلاثة عقود ارتفع حد الفقر من 50% إلى 70% وأنه لكل مائة دولار من خام النفط كان يستخرج من غابات الإكوادور كانت الشركات الأمريكية تحصل على 75 دولاراً منها مقابل 25 دولاراً للإكوادور تذهب 75% منها لسداد الديون الخارجية والمصروفات الحكومية وللدفاع ويتبقى 2.5 دولار فقط للصحة والتعليم والبرامج الأخرى التى تستهدف دعم الفقراء.

يذكر بيركنز تفصيلات أخرى يصعب عرضها هنا بشأن كيفية نهب الثروة النفطية السعودية وبأسلوب غير أخلاقى، وعلى القارئ إذا ما أراد الرجوع إليها تفصيلاً، من خلال إقامة مشروعات مختلفة تم إقناع قادتها بها، رغم أن بعضها لم تكن هناك حاجة ماسة إليه. وفى شرحه لأسلوب عمله يشير إلى أنه يقوم على إقناع الرئيس فى الدولة النامية بمشروعات كبرى قد لا تكون ذات جدوى لبلاده أو جدوى محدودة، باعتبار أن السلطات فى مثل الدول تتركز فى القادة الكبار دون المرور بالمراحل الدستورية اللازمة، كما هو معمول فى الديمقراطيات الغربية. ويوضح أن من يعارض هذه السياسات كان يلقى حتفه ويشير فى هذا الصدد إلى أن كلاً من رئيسى الإكوادور وبنما خايمى رولدوس وعمر توريخوس لقيا مصرعهما فى حادثين مروعين مدبرين بسبب معارضتهما لتلك الشبكة الجهنمية من الشركات العملاقة.

على حد ما أذكر، فإن المؤلف أشار إلى أنه التقى الرئيس السادات وأقنعه بمشاريع مختلفة والذى أحاله بدوره إلى رئيس الوزراء آنذاك وقد كان تقريباً فؤاد محيى الدين، وقد راح المؤلف، يصف أجواء المجلس فى تلك الفترة منتصف السبعينات ويوحى وكأنها من القرون الوسطى، ويبدو أن المؤلف أخفق مع رئيس الوزراء، ليحاول العودة للسادات لكى يمرر أفكاره.

بعد نحو أربعة عقود على هذا النوع من القرصنة، ومع تطورات العولمة يبدو أنه حدث تطور فى هذا النوع من العمل، فلم تعد الكوربوقراطية مقصورة على المجال الأمريكى وأنها امتدت بأساليبها لدول أخرى مثل روسيا وغيرها، بل يبدو أنها تغلغلت لحد تشكيل كوربوقراطيات محلية تعكس مجموعات ذات نفوذ اقتصادى وسياسى داخل الدولة المدينة تمثل امتداداً للكوربوقراطيات الدولية. كلها تدفع فى سكة دفع الدولة المستهدفة للإغراق فى مشروعات ظاهرها النهضة والتقدم، مثل الطاقة النووية، أو غيرها من المشروعات البراقة العملاقة، فيما هى لا تؤدى فى النهاية سوى إلى مزيد من التدهور، بعد نصب الشباك لضحاياها من الرؤساء والقادة فى موقع السلطة. فهل نعى الدرس جيداً حتى لا نكون ضحية لمثل هذه الأوهام؟

[email protected]