عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

الرئيس الأمريكى الجديد يلعب بالنار فى «ملف القدس»

غدًا.. حفل تنصيب «الحاكم المتوج» للولايات المتحدة

قلق بالغ فى الداخل والخارج من المواقف المتناقضة فى سياسات دونالد ترامب

عقلية «رجل الأعمال» قد تجر كوارث سياسية واقتصادية على أمريكا

غدًا سيكون الاحتفال بتنصيب دونالد ترامب ويوم الاثنين سيجلس الحاكم المتوج للولايات المتحدة الأمريكية فى المكتب البيضاوي ليزاول مهامه.. وترامب شخصية مختلفة تمامًا عن كل السياسيين السابقين، فقد خاض انتخابات عنيفة استعمل فيها أسلحة لا يذكرها التاريخ السابق.. لقد استطاع أن يستغل الفكر العنصري والعودة إلى «أمريكا الماضي» كدعوة للإنسان الأبيض للاستئثار بها ولأول مرة تمتد العنصرية ضد دين من الأديان بل وأعلن صراحة أنه لن يسمح لمواطني بعض الدول من المسلمين دخول الولايات المتحدة.. والغريب فى الأمر أن ترامب لم يستطع التفرقة بين المسلمين والمتطرفين.. وهناك اعتقاد أن الروس قد تدخلوا فى الانتخابات الأخيرة حيث استطاعت روسيا أن تستغل إمكانياتها التكنولوجية فى الدخول على أسرار البريد الإلكتروني أعقبته تسريبات محسوبة التوقيت لفضائح متتالية للمرشح المنافس هيلاري كلينتون وكذا كثير من أسرار الحزب الديمقراطي.. بل إن مكتب التحقيقات الفيدرالية لم يكن متفرجًا أو بالغير المشارك حيث اندفع المكتب فى توقيت حساس بتقديم تصريحات بالكونجرس أضرت بموقف المرشح الديمقراطي، الأمر الذى يخضع حاليًا للتحقيق القضائي.. وعندنا فى مصر نقول فليلجأ المتضرر إلى القضاء، أما فى أمريكا فإن المرجعية والحاكم المشترك الأعظم هو صناديق الانتخابات نظرًا لخلفية النزاهة المطلقة فى العملية الانتخابية، وفى عام ٢٠٠٠ عندما شاب نجاح بوش بعض الملابسات جاء قول المحكمة العليا بأنها لن تترك البلاد دون رئيس.. ولذلك فإن البحث عن طرق أو دعوى للطعن فى الانتخابات هناك طريق وعر لا يسجل أي نجاح.. ومن هنا أيضا كانت الغلبة لترامب الذى يقف كما ترسمه الكرتونيات بابتسامة من جهة وتكشيرة من جهة أخرى..ترامب أيضا أول رئيس أمريكي يضع أفراد أسرته فى مواقع رسمية فى الإدارة الأمريكية.

وترامب ليس له سجل سياسي تستطيع أن تستند إليه فى التنبؤ بما سيفعله، وعدم التنبؤ له يجىء أيضا كأسلوبه المفضل فى التصريحات والتعامل مع الإعلام وربما بحكم الاعتياد كأحد الأساليب القوية فى مجال الأعمال التجارية الخاصة وإبرام الصفقات.. ولترامب سجل أصدقاء معجبين به ومعاونين له، ويتراوح ذلك من محاميه الذي أنقذه من الإفلاس إلى معاونيه ممن قاموا بإنقاذه إعلاميًّا فى الفترة الأخيرة للمعركة الانتخابية.. وكلهم مرشحون حاليًا لأعلى المناصب في الدولة..

وترامب وعد بالكثير.. عودة الحلم الأمريكي.. خفض الضرائب.. القضاء على داعش.. استعادة الوظائف التى ذهبت للخارج.. تغيير النظام الصحي الذى يعد محل فخر أوباما.. وانتهاج سياسات مغايرة فى مجال الحفاظ العالمي على البيئة – بغرض توفير فرص العمل- مما قد يتيح إعادة وظائف حرق الفحم والتنجيم عنه وكذلك التوسع فى التنقيب عن البترول وهما نشاطان محظوران فى الوقت الحالى حفاظًا على البيئة.. بالإضافة إلى الوعد بتغيير المناخ الاستثماري، ولا شك أن هناك تفاؤلا اقتصاديًا يعرب عنه ارتفاع البورصة الأمريكية إلى أعلى مستوياتها عقب فوزه بالرئاسة، وإن كان أعقب ذلك بعض التذبذبات طبقًا لطبيعة التصريحات الصادرة عنه، فقد شهد الثلاثاء الماضى انخفاضًا حادًا بالبورصة نتيجة للتوتر الذى أحدثته تصريحات ترامب عن بعض من سياساته.. ولكن ماذا سيحدث بعد ذلك فهو فى علم الغيب.

ومما يأخذه البعض على الرئيس القادم هو عدم تفضيله قراءة التقارير الأمنية والسياسية المقدمة بصورة يومية، فهو يشكك فى قيمة التقارير وفى دور الأجهزة فى هذا المجال وهو بالتحديد يعد شيئًا جديدًا على السياسة الأمريكية التى تقترن بالتزامها التام بنهج وخطوط ومبادىء معينة.. وأيضا هناك الأبحاث السياسية المتخصصة تصدر عن مؤسسات بحثية تضم كبار الباحثين ولها أكبر الأثر فى توجيه اختيار الحلول للمشاكل المختلفة، واعتاد الرؤساء فى مجال السياسة الخارجية أن يبنوا قراراتهم التى قد تكون بعيدة عن الواقع فى بعض الأحيان من خلال هذه المؤسسات.. والتساؤل هنا ماذا سيفعل ترامب إزاء هذه الأبحاث والمجالس والهيئات والأفراد هل سيخضع لأفكارهم أم يتجاهلها كما هو واضح الآن..

والعالم كله فى ترقب شديد لتوجهات ترامب للسياسة الخارجية الأمريكية.. فهناك العديد من المفاجآت الذى يحمله هذا الملف لأن ترامب يختلف جذريًّا عن كل من سبقوه.. فهو جرىء وقوى وعنيد ومفاوض شرس ولكنه غير مدرب أو ممرس فى مجال السياسة ،الأمر الذى لا يخفى على الكثيرين، ولذلك ترى تصريحاته عن السياسة الخارجية محل قلق وعدم رضاء من أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة، وعليه فهناك توقعات بأنه سيكون له صدامات ومواجهات.. والغريب أن رونالد ريجان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة كان من أنجح السياسيين بالرغم من عدم وجود تاريخ سياسي له قبل انتخابه، ويعتمد المؤيدون لترامب على أمل أن يكون ترامب نسخة مكررة من ريجان ولكن طبعة ٢٠١٧.

سيتولى ترامب مقاليد الحكم يوم الاثنين القادم وسط تساؤلات وقلق بالغ فى الداخل والخارج.. هل سيتوقف العالم إلى أن تأتى له الحنكة السياسية بمرور الوقت.. كلام ترامب يعبر عن وجهة نظر رجل الأعمال، يقيس الأمور بالناقص أو الزائد على مقياس لا يعرف غير المكسب والخسارة المادية، ولكنه لم يصل بعد إلى ملكة التقييم السياسى الذى لا يجعل  منه خاسرًا ليس فقط للأموال ولكن أيضا للحلفاء ممن ارتضوا زعامة الولايات المتحدة ومشوا فى ركابها لسنوات طوال بل وأنفقت الولايات  المتحدة إنفاقًا باهظًا فى الأموال والأرواح..

 

وفى مجال السياسات الخارجية أعلن ترامب عن عدم رضائه عن تحمل الولايات المتحدة نفقات حماية أصدقائها.. وخرج إلى مبدأ الحماية بالأجر، أسلوب جديد لم يجرؤ سياسى سابق ان يتحدث عنه علانية ويمتد المبدأ إلى دول حلف الناتو وأوروبا والخليج وغيرها لدفع نفقات الحماية، وعلى الرغم من هذه المبادئ غير المعهودة أو المسبوقة قد أزعج الكثيرين من الدول الأوروبية لكن حدود تنفيذ ذلك وتأثيره غير معروفة.

ويوم الجمعة الماضى كان لترامب حديث مثير فى صحيفة وول ستريت وبعض الصحف الأوروبية حيث يدفع بسببين رئيسيين يجعلانه يفكر فى إعادة النظر فى حلف الناتو أولهما أن هذا الاتفاق قد عقد منذ سنين عديدة (١٩٤٩) ولذلك فقد صلاحيته، وثانيهما أن الدول لا تدفع نصيبها الحقيقى فى موازنة الناتو وأن أمريكا تتحمل مبالغ طائلة.. هكذا يفكر ترامب ويزن الأمور بعقلية رجل الأعمال وهو جاد فى محاولته رفع الأعباء المادية عن أمريكا.. وأعربت رئيسة لتوانيا -التى حصلت على استقلالها من الاتحاد السوفيتى عام ١٩٩١ وانضمت إلى حلف الناتو عام ٢٠٠٤- عن أملها فى أن تستمر الولايات المتحدة فى القيام بالتزاماتها تجاه دول الحلف، ودفعت بأن جنود الولايات المتحدة كان لهم دور أساسى فى إعادة بناء أوروبا وحماية الأمن وخلق الاستقرار اللازم للتنمية..

ولم يسلم الاتحاد الأوروبى من انتقاد ترامب له فوصفه بأنه مجرد آلية أو سيارة للألمان، وأن استقبال ألمانيا للاجئين كارثة، وفى بادرة غير مسبوقة امتدح ترامب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بل ومضى يحث الأعضاء الآخرين على خروجهم من الاتحاد الأوروبى.. وقد قوبلت تصريحاته هذه بالتحفظ لخروجها عن الأعراف والبروتوكولات التى تحرص على عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول.. على حين جاء رد المستشارة الألمانية ميركل بأن «قدر» أوروبا فى أيدى الأوروبيين أنفسهم وأنهم متحدون ويقف بعضهم بجوار البعض..

وانضمت فرنسا فى الدفاع عن أوروبا إذ صرح وزير خارجية فرنسا بأن الطريق الصحيح للدفاع عن أوروبا هو الوحدة وأن الخروج متفرقين هو دعوة إلى الضعف.. هذا فى الوقت الذى ينمو فيه الشعور لدى البعض داخل فرنسا نحو الخروج من الاتحاد الأوروبى محبذين تبنى سياسة ضد الهجرة حيث يتزعم هذا التيار مارين لابن الذى شوهد فى مقر ترامب الأسبوع الماضى لمقابلته..

وعلى رأس المشاكل الخارجية أيضا تأتى دولة الجوار المكسيك حيث ظهرت المشاكل وأودت إلى تدهور العلاقات قبل أن يصل ترامب إلى موقعه.. فلقد وصف ترامب المكسيكيين بجلبة المخدرات والدعارة والهجرة غير الشرعية لأمريكا ووعد مؤكدًا بإنشائه حائطًا بين المكسيك وأمريكا بل واسترسل فى الإثارة بتصريحه بأنه سيجعل المكسيك تتكفل بالتكاليف وتقوم ببناء ذلك الحائط وإن كان رفض المكسيك لهذا الأمر يبدو واضحًا.. ومن المعهود أن الولايات المتحدة تعتمد فى علاقاتها مع الدول على مبدأ الاحترام ولكن ترامب أظهر أن تعامله سيكون من منهج الهيمنة العالمية.. هذا هو الطرح إلى الآن ولكن أتوقع أن الدبلوماسية ستغير الكثير من تصوراته..وترامب أثار قلق ألمانيا أيضا حينما دخل من زاوية جديدة وهى المكسيك حين أعلن عن زعمه فرض تعريفة جمركية على السيارات الواردة من المكسيك إلى أمريكا، والمعروف أن السيارات الألمانية تصنع فى المكسيك، على حين قد أعلن وزير الاقتصاد المكسيكى أن مثل هذا الاجراء قد يجلب تراجعًا اقتصاديًّا فى العالم كله، وبالفعل لقد تسبب مجرد الإعلان عن ذلك هبوط أسهم تلك الشركات فى البورصة..

وما زال ترامب يرى أن عدوه الاقتصادى الأول هو الصين، وهو يندد بما فعلته الصين مع الولايات المتحدة حيث تتلاعب بعملتها وتضر بمصلحة الولايات المتحدة بل وصارت الصين قادرة على جذب كثير من الصناعات إلى الصين.. لقد انضمت الصين إلى مؤسسة العالم التجارية وأصبحت جزءًا من العولمة.. ترامب يرى أن هذه العولمة قد أضرت بالاقتصاد الأمريكى وعليه فسيقوم بالحد من هذه الاتفاقيات بين البلدين واصفا سياسة «الصين الواحدة»- والمقصود بها تجاهل الولايات المتحدة لتايوان المنفصلة عن الصين- هى سياسة قابلة للنقاش.. وكان ترامب قد قام عقب فوزه باتصال هاتفي مع رئيس تايوان فى سابقة لم تحدث منذ عقد كامل مما أثار غضب بكين التى جاء ردها على لسان وزير خارجيتها أن الاعتراف بأن الصين هى الدولة الوحيدة يعد أساس العلاقات القوية مع الولايات المتحدة، كما أفادت جريدة الحزب الشيوعي بالصين فى مقالها الرئيسى أن ترامب يبدو واثقًا من نفسه فى منصبه الجديد ولكنه يتحدث مثل المجند الجديد الذى لم يحصل بعد على الخبرة! وأضافت الجريدة أنه يلعب بالنار عندما يتحدث عن تايوان، وإذا كانت تلك المقامرة هى اختياره فإنه سيقوض العلاقات الصينية الأمريكية وليس بوسع بكين عندئذ سوى خيار واحد وهو أن «تخلع القفازات» وهو التعبير عن قبول التحدي.. وفى رسالة واضحة أشار المتحدث بلسان وزارة الخارجية الصينية إلى أن من يسىء إلى مبدأ الصين الواحدة فهو واهم لأنه سيلمس قوة المعارضة من حكومة وشعب الصين وسيكون مثل الذى يحاول أن يرفع صخرة ضخمة فيسقطها على قدميه.. وفى الصيف الماضى وكرد فعل فرضت الصين بعض الرسوم الجمركية على بضائع الولايات المتحدة مما استفز ترامب ليصرح «..سيعرفون من الذى سيفرض الجمارك ويحمي الولايات المتحدة».. وقد تزيد حدة التوتر بين الصين وأمريكا لتظهر آثارها السلبية فى تعدى الصين على حدودها البحرية..

ومن منظور سياسي مختلف يتعدى العلاقات والأضرار التجارية يأتي تحليل جديد لجريدة الواشنطن بوست موضحا أن الصين قد نالت الجزء الأكبر من تطاولات ترامب حيث اتهم إياها بأنها استحلت الولايات المتحدة وقتلت تجارتها وهى تتلاعب بقيمة العملة لها بصورة تجعل منتجاتها أرخص المنتجات وخارج المنافسة.. صحيح أن هناك مرارة فى الصين من توجهات وتصريحات ترامب، إلا أن الصين ركزت فى الفترة الأخيرة على أسواقها الداخلية واكتفاء وتكامل شركاتها الأهلية وقدراتها التصنيعية والتكنولوجية بصورة تحد من تواجد الشركات الأجنبية فى أسواقها، وإن كان لا يمنع ذلك من أن الأسواق الصينية تعد أيضا مرتعًا للبضائع الأمريكية الأمر الذى أضاف ٤٦ مليار دولار للاقتصاد الأمريكى فى العام الماضى وحده.. والصين ليست فى غفلة عما يحيط بها من أخطار ولا تضيع وقتا فى الإشكاليات والتراشقات.. فتركت ترامب ليبني من خلال تصريحاته الأسوار بينه وبين الجنوب أثناء وبعد حملته الانتخابية فى الوقت الذى توجه فيه الرئيس الصيني خلال شهر نوفمبر الماضي إلى أمريكا اللاتينية فى رحلته الثالثة خلال الأربع سنوات الأخيرة ليوقع مؤخرًا ٤٠ صفقة تجارية كبرى، والتزم بتخصيص مليارات الدولارات تدعيمًا للاستثمار بالمنطقة وتشجيعًا للعمل المشترك.. وعلى صعيد التعاون مع الدول التي تضمهم اتفاقية شراكة التجارة العالمية عبر الباسفيك (تى بى بى) وهي ١١ دولة تتزعمها الولايات المتحدة، فإن استراتيجية الصين الآن على ما يبدو هي استغلال فرصة «الفراغ القيادى» الذى سينشأ من تراجع الولايات عن شراكاتها لاتفاقيات التجارة العالمية وكما يدعو اليه ترامب، بل إن الصين قد انتهزت تصريحًا لترامب يعلن فيه عن «موت» شراكة التجارة العالمية عبر الباسفيك لتطرح نفسها بديلا -فى حال استبعاد الولايات المتحدة- لدور الزعامة وقيادة دول التجارة العالمية، وبدأت بعض الدول مثل استراليا المعضد القوى للاتفاقية  فى الإفصاح عن موقفها برضائها التعاون الصينى بديلا عن دور أمريكا، بينما تصرح بيرو بأن الزعامة كانت للولايات المتحدة فى المنطقة الأسيوية ولكن فى غياب أمريكا سينشأ فراغ لابد من شغله.. وستشغله الصين.. ومن المتوقع أن يعقب ذلك انضمام العديد من الدول الأسيوية المنضمة إلى الاتفاقية لنفس التوجه إلى الصين كزعيم بديل.. وهنا تتكهن الجريدة بأن موقف ترامب من الصين على هذه الصورة قد يخدم الصين بصورة كبيرة بل ويشكل هذا «السيناريو» أفضل ما يمكن أن  تسير اليه وتصبح عليه الأوضاع الصينية  فى تقلد الصين دورا قياديا قويا فى العالم..

وفى الشرق الأوسط ربما ستكون هناك تغيرات جوهرية متوقعة أولها ما أعلنه ترامب صراحة أن الولايات المتحدة لا يجب أن تُحيّد العراق ويفلت أكبر حقل بترول بعيدًا عنها.. وهو ما يفسر أطماع ترامب فى الشرق الأوسط والمحافظة على منابع البترول.. بل هو يمضي ليقول بأن الآلاف من الجنود الأمريكيين لم يقتلوا ويجرحوا لنترك الساحة خالية لإيران لتأخذ العراق غنيمة فى الطريق.. ويتوقع السياسيون أن محاولة ترامب فى السيطرة على منابع البترول قد يسبب أزمات سياسية كبرى فى المنطقة.. وعلى الوجه الآخر يفيد ترامب بأنه جاهز لمحاربة داعش معربًا عن أن لديه الحل الكامل لذلك وأن لم يفصح عنه ولكنه على الأقل سيكون متعاونًا فى مشكلة التطرف فى الشرق الأوسط..

أما عن مصر فالتوقعات أن فترة ترامب ستلقي تقاربًا مع مصر وتنسيقًا فى جهود مكافحة الإرهاب.. ويشير الكثيرين أن فترة أوباما أوضحت بأن لمصر دورًا رئيسيًا في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن إغفاله بل والاعتراف بأن الكثير من الصعب تحقيقه في غياب دورها على الساحة..

ومزيد من التقارب الأمريكى مع إسرائيل تتوقعه كل الأوساط السياسية ويجيء موقف ترامب المعضد للمستوطنات قبل أن يكون الرئيس الفعلي للولايات المتحدة مترجمًا لذلك، يضاف إلى هذا قيامه بترشيح أحد المتشددين اليهود وهو دافيد فريدمان- محاميه فى مجال الإفلاس للعمل الخاص بمؤسسة ترامب – ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل..

ويحذر بعض السياسيين المحنكين من أن ترامب لديه القدرة المطلقة لإعطاء إسرائيل كل ما تطلب وأن المشاكل التى قد تنجم عن ذلك ستكون ذات أبعاد خطيرة فى الشرق الأوسط، فمثلا مشكلة المستوطنات وتصريحات ترامب ضد كيرى وزير الخارجية الحالي لأمريكا حينما شجب وزير الخارجية الأمريكى لأول مرة فى خطابه الحاد المستوطنات، و ما كان من ترامب الا أن أبدى معارضته الشديدة لخطاب كيرى، كما يفصح اختياره لدافيد فريدمان توجهه لصالح اليمين الإسرائيلى، ولكن الوقت والمجريات ستحكم على ذلك، ولو أن التوقعات تفيد مزيدًا من التحيز لإسرائيل.. ولقد كان لتصريح فريدمان بأنه سيكون سفير الولايات المتحدة المقبل فى القدس بعد نقل العاصمة أسوأ الأثر بين الأصوات العاقلة فى الولايات المتحدة حتى اليهود منهم بل يشعر الكثيرون بأن ذلك قد يعيد للأذهان ما حدث فى القدس بعد زيارة شارون للمسجد الأقصى والتى تسببت فى سفك كثير من الدماء وفى تأخر إيجاد حل سلمى للمشكلة الفلسطينية.. أعود فأعرب عن استبعاد ذلك فى ضوء أن ترامب يملك عقلية التاجر الماهر الذى لا يقف مكتوف الأيدى أمام التحديات، وأذكر فى الماضى القريب أنه أفصح عن أهمية وجود محادثات ناجحة بين الجانب الفلسطينى والإسرائيلى، ولا أعتقد تبنيه لموقف يزلزل الوضع فى الأردن وغيرها فى المنطقة، وفى مقال العدد لصحيفة النيويورك تايمز أوضحت أن العالم سيعارض وإسرائيل ستبنى المستوطنات والعالم سيؤيد ذلك، وترى الجريدة أن المشكلة هى القيادة الفلسطينية والتى أخذت العنف مظهرًا رئيسيًّا  لها مع حماس..

ولو كان ترامب منصفا ومنحازا لحرب الإرهاب ويسعى لإرساء التوازنات وتحقيق السلام فى المناطق الملتهبة فعليه أن يعيد حساباته مرة أخرى حتى لا يرتكب الخطأ الأمريكى المتكرر، فيقوم بتعضيد الفكر المعتدل حتى يستطيع مواجهة الفكر المتطرف، والحق يقال إن القيادة الفلسطينية المعتدلة لم تنل التأييد السياسى الداعم ولم يستغل وجودها فى المشهد السياسى كقيادة معتدلة- الاستغلال الأمثل للوصول إلى الحل السلمى للقضية الفلسطينية، بل وحظيت بخيبة أمل نتيجة للسياسات الأمريكية والإسرائيلية التى لاحقتها بعدم التأييد والاضعاف.. ولذلك على ترامب ان يتفهم أن عدم تأييده الفكر المعتدل هو أسوأ ما يمكن عمله لإشعال المنطقة مؤديًا إلى اطراد العنف والتطرف وهذه هى المشكلة المزمنة التى وقع فيها الفلسطينيون بفعل الانحياز الأمريكى غير المدروس.. وعلى الإدارة الأمريكية الجديدة أن تختار بين سياسة تجمع المعتدلين أو سياسة تنبذ المعتدلين وتهيئ المناخ لانطلاق مزيد من الإرهاب..

أما الموقف مع إيران فيحمل أبعادًا جديدة.. فمن المعروف أن إسرائيل قد وقفت ولا تزال ضد الاتفاق النووى بين إيران والولايات المتحدة، ولكن جاء ترامب بعداء يحمله تجاه هذا الاتفاق، وهناك احتمالات قوية فى أن الولايات المتحدة ستحاول أن تفرض قيودًا أخرى على هذا الاتفاق النووى.. ولكن الرئيس الايرانى روحانى استنكر ذلك مؤخرًا قائلا ان هذا الفكر بعيد عن الواقعية كمثل من يريد إعادة القميص الذى يلبسه إلى أصله لقطن خام..

ويأتى ترامب فى وقت ساءت فيه العلاقات الأمريكية مع روسيا سواء فى عام ٢٠١٤ بعد تأييد الجانب الروسى للانفصاليين فى أوكرانيا، أو فى الفترة الأخيرة حين وجهت الولايات المتحدة أصابع الاتهام لروسيا بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية بل واتخذت عدة إجراءات منها قيامها بالتحقيق الرسمى بالإضافة إلى إجراءات عقابية أخرى تجاه ذلك.. وبالرغم من ذلك فقد شكك الفريق الانتقالى لترامب فى هذه الادعاءات وحتى فترة قريبة، وأعلن ترامب صراحة انه يريد تحسين العلاقات مع روسيا، بل ويمهد لذلك اختياره لركس تيلرسون المقرب من بوتين ليكون سفيرا للولايات المتحدة فى روسيا، ويتوقع المحللون السياسيون أن ترامب سيرفع العقوبات عن روسيا حتى ترفع يدها عن أوكرانيا.. كما ويعول ترامب فى أن يجعل روسيا شريكًا له فى أى مفاوضات جديدة مع إيران وفى أيضا تحقيق بعض المشاركة فى سوريا وان كان من المتوقع أن ترامب لن يعطى تعضيدًا للمعارضة السورية على نحو ما كان من أوباما.. كما يريد الرئيس القادم ترامب أن يكون له القول أو التأثير فى انهاء الحرب السورية وإبراز الدور القوى لأمريكا فى المنطقة والعالم وهو الدور الذى كاد أن يتقلص فى الوقت الحالى..

ويرى بعض المحللين أن قوة ترامب تظهر حين اكتسابه للأعداء وليس الأصدقاء.. وفى خضم المشاحنات على الساحة مع تلك الدول كان ترامب وديعًا مع روسيا حيث رحبت الأخيرة بآرائه عن حلف الناتو الذى شاركت دوله أمريكا فى فرض العقوبات الاقتصادية القائمة تجاه روسيا بالإضافة إلى أحاديثه عن إمكانية تخفيف العقوبات الاقتصادية مقابل تخفيف روسيا ترسانتها النووية..

والغريب هنا أن ترامب تختلف آراؤه تماما عن مرشحيه لتولي مناصب الدولة المختلفة سواء فى المجالات الخارجية أو الدفاع أو الأمن والتخابر وغيرها، ويبدو ذلك واضحًا من خلال مناقشات البرلمان للمرشحين وقيامهم بعرض سياسات وتوجهات مخالفة تماما له.. هل بغرض الحصول على موافقة الكونجرس لترشيحهم للمنصب أم هم حقيقة من المدارس السياسية التى لا تساير مثل هذا الانزلاق الخطير العواقب.. وهل سيتقبل ترامب آراء من حوله؟  إن ما يأخذه البعض على الرئيس القادم هو عدم تفضيله قراءة التقارير الأمنية والسياسية المقدمة بصورة يومية، فهو يشكك فى قيمة التقارير وفى دور الأجهزة فى هذا المجال وهو بالتحديد يعد شيئًا جديدًا على السياسة الأمريكية التى تقترن بالتزامها التام بنهج وخطوط ومبادىء معينة.. وأيضا هناك الأبحاث السياسية المتخصصة تصدر عن مؤسسات بحثية تضم كبار الباحثين ولها أكبر الأثر فى توجيه اختيار الحلول للمشاكل المختلفة، واعتاد الرؤساء فى مجال السياسة الخارجية أن يبنوا كثيرا من قراراتهم على دراسات تقدمها تلك المؤسسات والتى قد لا تجىء بالضرورة متفقة مع الرأى الشخصى للرؤساء.. والتساؤل هنا ما الذى سيفعله ترامب إزاء هذه الأبحاث والمجالس والهيئات والأفراد؟ هل سيخضع لأفكارهم أم يتجاهلها كما هو واضح الآن؟ أعتقد أن الوقت كفيل بالإجابة عن هذه الأسئلة المحيرة..

ترامب سيواجه كثيرًا من المشاكل فى الداخل والخارج نتيجة لشخصيته التى بنى عليها مجده كرجل أعمال ولكنه الآن هو فى مواجهة العالم الذى لا يتقبل الكثير من هذه السياسات.. ويخطئ من يظن أن قوة أمريكا ستجعله أقوى رجل لرسم السياسات الامريكية وينسى أن قوة أمريكا تأتى من قدراتها السياسية لزعامة العالم وان اختلال هذه التوازنات قد يولد فراغًا وخللا قد ينجم عنه تداعيات للولايات المتحدة والعالم نتيجة الكوارث الاقتصادية والسياسية.. إن بوصلة ترامب اختلت لأنها كشفت كثيرًا من المتناقضات التى قد تصعب عليه إبحار سفينته فى عالم ملىء بالمتناقضات وعدم الرضا عن آرائه وقد كان من المنصف له أن لا يكثر من أعدائه فى هذه الفترة الحرجة..

 

وزير الصحة الأسبق‏

[email protected]