عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المجتمع المصرى ليس منقسمًا على نفسه رغم ما به من اشتباك، لا يوجد فى الواقع المصرى أى نوع من الاحتراب، ولكن فى المقابل هناك حالة احتراب هوائى أو فضائى. المعارك الفضائية ما بين مصطنعة ومفتعلة ومتعمدة وهنا تبدو الدهشة.. هل نحن فى حالة من الترف الاجتماعى والسياسى والاقتصادى إلى الدرجة التى تجعلنا من باب التسلية والترويح عن النفس نشعل حرائق هوائية وقودها سمعتنا وأخلاقنا ومبادئنا؟ هل نحن شبعنا استقراراً وتطوراً ونمواً للدرجة التى لا مانع عندها أن نهيل على أنفسنا بعضاً من التراب النجس؟ هل نحن كمجتمع شبعنا عقلاً وحكمة للدرجة التى من باب العبث نسلم آذاننا وعقولنا لبعض أراجوزات الفضائيات يعبثون بأبسط القيم التى تربينا عليها؟ هل نحن كمجتمع تشبعنا إلى حد التخمة من التنوع الجميل وكل أدبيات الحوار المحترم فقررنا - ولا بأس - أن نجلس بمقاعد المتفرجين مكبلين الأيدى والعقول ليمطرنا المهرجون وبهلوانات كل العصور بمخلفات جهالاتهم؟ هل نحن كمجتمع متصل الوجود من سبعة آلاف عام تشبع من الإيمان بالجمال فقرر أن يجرب الكفر والاستسلام للقبح؟

أسئلة كثيرة لا يمكن الهرب منها أمام حالة السعار المتبدية ببعض الفضائيات، والتى قرر أصحابها ممارسة الاغتيال العلنى وعلى الهواء مباشرة لكل شىء وكل شخص وكل قيمة وكل ضمير وكل عقل فى مشهد عبثى غير مسبوق فى تاريخنا المعاصر الذى نرصده على الأقل من بدايات القرن التاسع عشر.. مهم جدا أن نسلم بحقيقة أن الأمجاد لا تصنعها الأكاذيب والإنجازات لا تشيد فوق رمال متحركة والرجال لا تطول قاماتهم بالوقوف فوق تلال من العار.. الرجال الحقيقيون يتحاورون ويتغالبون بالحجة والحكمة والاستعداد للمصارحة وليس بالقدرة على الاغتيال النفسى والمعنوى، استنادا لمبدأ الكثرة تغلب الشجاعة.. الحالة التى عليها مصر الآن تتشكل وتتبلور معها ملامح للمستقبل بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 والتى هى حدث تاريخى انطلق كالرصاصة، ولن يعود الى مكانه مهما حاول تجار المصالح والضمائر.. هذه الحالة الراهنة كانت بحاجة - ولاتزال - لاستنبات ما بداخلنا من قدرات ملهمة على النمو والتطور والحوار الخلاق الذى يساعد على اكتشاف قدراتنا على الإمساك بفرصة تاريخية نادرة يمكن ان تنقلنا نحو عصر جديد.. الغريب والمخزى أن هناك فى مصر تيارًا مستميتًا من أجل دفن هذه اللحظة وتدمير الذاكرة الجمعية وخرق أى أثر بداخلها يدل على التأثر بما جرى قبل ست سنوات.. هنا قمة الخبل فى التفكير والتدبير وأمامنا تجارب وعظات التاريخ ناطقة وناصعة.. هل استطاع أعداء الثورة الفرنسية دفنها بعد أكثر من عشرين سنة من المحاولات المستميتة لمحوها من ذاكرة الفرنسيين؟ هل نجح أعداء الحرية والعدالة والإنسانية فى تدمير ذاكرة التحرر والكرامة عند الزعيم التاريخى نلسون مانديلا، وشعب جنوب أفريقيا بعد قرنين من القهر والتمييز؟ أعتقد وأتمنى أن أكون مخطئًا أن حالة الاحتراب الفضائى والتى تستهدف أشخاصا أو مواقف أو أفكارا هى فى الحقيقة تهدف فقط لاغتيال ذاكرة المصريين واستبدالها بذاكرة انقيادية يتم التحكم بها عن بُعد وفلترتها كلما دعت الضرورات السياسية حتى لو كان ما سيتم استبعاده وحرقه منها يمثل أغلى وأروع ما بها من قيم استقرت عليها وامتلأت بها من قرون وعصور.. أتمنى أن يتقدم ولو حكيم واحد من أصحاب الكلمات العليا ويقول لهذا الإعصار غير الأخلاقى: قف.. مصر تستحق ما هو أنظف وأجمل مما تحمله من غثاء.

 

[email protected]