عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تذكر إحدى الروايات أن إبراهيم باشا ابن محمد على والى مصر عندما كان فى زيارة لفرنسا ورأى الريف هناك على قدر كبير من الجمال والخضرة تذكر الريف المصرى بما عليه من قبح وبؤس وراح يردد لمحدثه أنه سوف يغير كل هذا إن أعطاه الله العمر. وبعد أكثر من مائتى عام  يظل حلم النهوض ليس فقط بالوضع البائس لريف مصر، إنما بمصر كلها حلم مجهض لمختلف المصريين.

وعندما تتأمل سيرة إبراهيم باشا تدرك أن حلم النهضة ربما كان يمكن أن يتحقق على يديه هو وليس على يد والده، رغم أن والده هو الذى استأثر بالمشهد، ودخل التاريخ من أوسع أبوابه، حتى أنه يعتبر فى منظورنا نحن المصريين صاحب محاولة النهضة الأولى فى تاريخ مصر الحديث، وهى نظرة فى حاجة إلى مراجعة من منظورات مختلفة، ولا تملك إلا أن تحزن على الفرص الضائعة من حياة المصريين وهى فرص تكرر نفسها ونتعامل معها بذات الطريقة وكأننا لا نستفيد، أو لا نعى درس التاريخ.

لقد نشأ ابراهيم باشا ووعى على الأحلام الجامحة التى تسيطر على والده حاكم مصر آنذاك والذى رغم كل طموحاته ومساعيه للنهضة انتهى بها إلى ما يشبه الكارثة. ورغم حبه وتقديره لأبيه الذى اكتسب منه الكثير من الصفات الجيدة إلا أن إبراهيم، الذى لم يمتلك دهاء والده، حاول فى كثير من المراحل أن يكبح جماحه واضعا نصب عينيه أن طريق الباشا قد لا يكون حتما الطريق الوحيد للنهضة.

فقد راح الوالى ينفق الأموال التى نجح فى جمعها من المصريين بلا حساب أو ضابط أو رابط حتى انتهى الأمر بالفوائض المالية التى تراكمت لدى مصر من خلال اعادة تنظيمها واقامة السلطة المركزية فيها إلى ان تستنزف فى مغامراته المختلفة. ومع توالى مشروعاته كانت الصورة العامة أن الباشا استنزف ثروة البلاد، وكان من نتيجة ذلك أن الحياة الاقتصادية فى مصر لم تصل إلى حالة من الجمود فحسب بل كانت تتدهور باطراد فى وقت بدأ فيه أن المال هو جوهر كل شىء.

ورغم ذلك لم يملك إبراهيم شيئا، ذلك أن الفوائد التى كانت تجنى من الاشغال واسعة النطاق بدت واضحة للباشا وحاشيته لكنها لم تبد واضحة أبدا للمصريين الذين لم يروا فائدة تذكر من الكثير من مشاريعه.

ومن خلال متابعة متأنية لمسيرة حكم محمد على فى الكتاب الذى صدرت الطبعة الثانية له مؤخرا عن المركز القومى للترجمة تحت عنوان «مصر فى عهد محمد علي» يمكن أن تدخل فى عمق التاريخ وتتابع على شكل فيلم سينمائى مسيرة النهضة المجهضة، والتى كان من الممكن، أن تسلك مسارا آخرا لو استمع محمد على، ضمن أشياء أخرى، لبعض نصائح ابنه وعمل ببعض تحذيراته.

 وعلى هذه الخلفية تخبرنا سيرة الرجلين ان إبراهيم كان يبعث لابيه برسائل كثيرة تتسم بالفظاظة.. فقد تحفظ الابن مثلا خلال وجوده بحملة الشام على فكرة الباشا بتجنيد الشوام وراح يحذره من انه «إذا تفجرت الاضطرابات فى أنحاء مختلفة من البلاد فلن يكون أمامه من سبيل للسيطرة على الإٌقليم» وهو ما تحقق بالفعل.

ذات مرة أثناء زيارته للندن بصحبة نوبار باشا رأى مخمورا يقتاده الشرطى إلى السجن، فاستدار إلى نوبار قائلا له: «هنا عظمة بريطانيا وليس فى مصانعها».. يقصد احترام القانون! فى مصر المحروسة!

وفى النهاية تجد أن الأمنية التى تسيطر عليك هى لو كانت مصر جمعت بين أحلام الباشا الجامحة وحكمة الابن صاحب الروية فى التفكير! 

[email protected]