رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

وقفنا فى الحلقة السابقة عند تولى وزارة عبدالخالق ثروت بعد رفض سعد زغلول بالإنذار البريطانى وتزامن ذلك مع معركة سياسية ضخمة نشبت إثر قيام منافقى السلطة بالدعوة للملك فؤاد ليكون خليفة المسلمين الجديد إثر إلغاء أتاتورك فى تركيا للخلافة الاسلامية سنة 1924 وهبة آباء التنوير والليبرالية للدفاع عن الدولة المدنية فى مصر.

قام الشيخ الأزهرى على عبدالرازق بنشر كتاب عنوانه «الإسلام وأصول الحكم» يوضح فيه أن الخلافة الإسلامية كانت صيغة حكم ولا علاقة لها بالدين، وثار الملك فؤاد ثورة جامحة وسانده العديد من علماء الأزهر الذى اجتمعت هيئة كبار العلماء به، وسحبت شهادة العالمية الأزهرية من الشيخ على عبدالرازق، وظلت المعركة السياسية دائرة بين الملك ومسانديه وبين أغلبية الرأى العام التى ساندت الدولة المدنية، وكان لها فى النهاية النصر ولم يستطع فؤاد الفوز بمساندة الأغلبية لترشيحه خليفة للمسلمين ولم تلق الفكرة تأييداً فى باقى الدولة الاسلامية لترشيح خليفة جديد للمسلمين، سواء كان فؤاد أو غيره من دولة إسلامية أخرى، وماتت الفكرة تدريجياً إلى أن حاولت بريطانيا بالوكالة إحياءها لإجهاض الحركة الليبرالية الديمقراطية فى مصر، كما سيأتى.

وكانت الفترة منذ استقالة سعد حتى وفاته فى 23 أغسطس سنة 1927 فترة تقلبات وزارية تولت الوزارة فيها شخصيات من اختيار الملك بهدف إقصاء حزب الأغلبية الشعبية عن الحكم، وتولى مصطفى النحاس الزعامة الشعبية بعد وفاة سعد، وكان فى مثل صلابة سعد فى التمسك بالمطالب الشعبية من حكم ديمقراطى، ومطالبة بجلاء جيش الاحتلال البريطانى وأدركت بريطانيا أن النحاس لن يكون رئيس الوزراء الذى ينحنى للمطالب البريطانية، فشجعت الملك على استغلال أحزاب الأقلية، وعلى رأسها حزب الأحرار الدستوريين بزعامة محمد محمود على انتزاع الزعامة الشعبية من الوفد، وعبثاً حاول خصوم الوفد نزع الزعامة الشيعية منه، ولذلك عندما شكل مصطفى النحاس وزارته الأولى سنة 1928 وكانت ائتلافية تضم حزب الأحرار الدستوريين أملاً من النحاس فى مواجهة بريطانيا بجبهة شعبية موحدة كانت المفاوضات بين بريطانيا ووزارة عبدالخالق ثروت، التى كانت فى الحكم قبل الوزارة النحاسية قد وصلت إلى طريق مسدود إزاء المطالب الوطنية، ولما شكل مصطفى النحاس وزارته الأولى الائتلافية فى ربيع سنة 1928، التى استمرت أشهراً قليلة، ورفض النحاس التنازل عن المطالب الوطنية التى فشلت بسببها المفاوضات مع عبدالخالق ثروت تحالف الملك مع بريطانيا على إسقاط وزارة النحاس، وأخذ الملك يلوح لمحمد محمود، الذى كان وزير المالية فى حكومة النحاس الائتلافية برغبته فى اقصاء النحاس وتعيين محمد محمود بدلاً منه سارع محمد محمود بتقديم استقالته من الوزارة، وتلاه باقى وزراء حزب الأحرار الدستوريين وحلفاؤهم من المستقلين، وإذا بالملك فؤاد يقيل وزارة النحاس فى 25 يونيو سنة 1928 ذاكرًا فى خطاب الاقالة أن سببها أن الائتلاف الوزارى «أصيب بتصدع شديد» ودخلت البلاد فى فترة استبداد كامل من الملك فى حكم البلاد تحت حكم وزارة محمد محمود، التى خلفت وزارة النحاس.

فى هذه الأثناء كانت بريطانيا قد نجحت فى تدبير أخطر مخطط استعمارى للقضاء على الديمقراطية والحكم الليبرالى، فبنصيحة من قطب الاستعمار الفرنسى الذى كان يشغل منصب رئيس شركة قناة السويس ومركزها مدينة الإسماعيلية وكانت عندئذ دولة داخل الدولة لا سلطان لحكومة مصر عليها، نقول بنصيحة من رئيس شركة قناة السويس تم تجنيد شاب فى الثانية والعشرين من عمره اسمه حسن البنا كان يعمل مدرسًا للغة العربية فى الإسماعيلية، وكان يتمتع بقدرة خارقة على التأثير فى سامعيه، وقامت شركة قناة السويس بدفع مبلغ خمسمائة جنيه وكان مبلغًا ضخمًا وقتها وكان تكليف الشركة لحسن البنا هو إنشاء جماعة ظاهرها دينى تدعو لإقامة ما يسمى حكومة إسلامية تحمل على إحياء الخلافة الإسلامية فى شخص الملك فؤاد، وقام حسن البنا بإنشاء جمعية الإخوان المسلمين، واستخدم مبلغ الخمسمائة جنيه فى إنشاء أول مركز عام لها بالإسماعيلية. ومع أن الدعوة الدينية حسب النص القرآنى الكريم تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، فقد أسس حسن البنا جماعته على أن تكون الدعوة للدين بحد السيف، واختار لجماعته شعارًا هو سيفان متعانقان ووسطهما مصحف وتحتهما عبارة «وأعدوا» وهى اختصار للآية الكريمة: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة»، وكان الهدف الحقيقى الواضح لما تم تكليف حسن البنا به هو ضرب الوحدة الوطنية التى كانت أعظم إنجازات ثورة سنة 1919 الخالدة بوحدة الهلال والصليب، واعتبار الديمقراطية والليبرالية رجساً من عمل الشيطان لا يتمشى مع صحيح الدين.. وبذلك يصبح أقباط مصر أعداء ويسقط مفهوم الوطنية تماماً ويحل محله مفهوم الرابطة الدينية بين كل مسلمى العالم، وعبر أحد مرشدى جماعة الإخوان منذ فترة قصيرة أبلغ تعبير عن نظرة الإخوان المسلمين للوطنية قائلاً إن الوطن هو مجرد حفنة تراب، وأضاف فى صفاقة يحسد عليها كلمته البذيئة الشهيرة: «طظ فى مصر».

كانت جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها حربًا ضروسًا على الحركة الوطنية لحساب الملك فؤاد وبريطانيا بهدف إفقاد الشعب الثقة فى الحكم البرلمانى والليبرالية، ونستأنف فى المقال التالى ما قامت به الجماعة بين سنوات 1928 و1930 عندما وقع الانقلاب الدستورى الكامل سنة 1930 بإسقاط دستور سنة 1923.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد