رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فتحت صفحة جديدة فى سجل تاريخ عقوبة الإعدام مع زحف الفكر الإنسانى على سطح تيار الوجود، ونبدأ بذلك الشاب الفقيه العالمى الإيطالى المولد «قيصر بيكاريا» حيث أعلن فكره الرائع من محل إقامته فى ليفورن فى إيطاليا عام 1764 فى مؤلفه الخالد خلود الفكر العقابى وتطويره «الجرائم والعقوبات».

حقاً لم يكن بيكاريا هو الأول الذى ناقش عقوبة الإعدام باستفاضة وإنما ينعقد إليه الفضل فى الإعلان علانية أمام الرأى العام فى بلده وقلب الأوجاع وحاربه الحاكم والسلطان فيمم وجهه قبلة أخرى -حيث إنه لا يكرم نبى فى وطنه- وكانت دعوته فى فرنسا ومناداته الصريحة بإلغاء عقوبة الإعدام، ومن هنا كان بيكاريا بلا منازع إمام المجددين فى هذا المضمار، وفتحت التشريعات العقابية موادها للنص صراحة على إلغاء تلك العقوبة اللاإنسانية.

لنتوقف قليلاً مع فكر بيكاريا:

أسس بيكاريا نظريته على فكرة العقد الاجتماعى، والملاحظ أنه كان قد سبقه بعامين فى فرنسا جان جاك روسو فى كتابه ذائع الصيت عن «العقد الاجتماعى» 1762، وأن روسو اتخذ من فكرة العقد أساساً لتبرير بقاء وشرعية العقوبة العظمى.

من هنا كان الخلاف الجوهرى بين بيكاريا وروسو.

يقول بيكاريا: إن الإنسان لا يمكن أن يتنازل عن «حقه فى الحياة» إلى آخر، حتى ولو كان المجتمع الذى يؤويه، ويرى أيضاً إذا لم تؤدِ العقوبة العظمى إلى تحقيق أهدافها فإنها تصبح عديمة الجدوى ولا أهمية ترجى من وراء الأخذ بها.

ويتساءل بيكاريا عما إذا كانت العقوبة العظمى عقوبة نموذجية؟

يجيب فى غير تردد بأنه إذا أعطى الإنسان نموذجاً للعنف والقسوة، فإن عقوبة الإعدام لا تمثل للمجتمع إلا شراً مستطيراً يضاف إلى باقى أصناف الشرور والخطايا، إن عقوبة الإعدام وصور تنفيذها لا تمثل فى نظر غالبية الناس إلا لوناً من ألوان المهرجانات الدموية، وهى فى نظر باقى الناس ليست إلا وسيلة من وسائل استجلاب الشفقة وهى بعيدة كل البعد عما يرمى إليه المشرع من بث الخوف والرعب فى نفوس الناس.

وإذ تنتفى العلة التشريعية على هذا النحو فقدت العقوبة العظمى كينونتها كعقوبة نموذجية مثالية فى زجرها وردعها.

وما زال التساؤل مطروحاً أمام الفقيه الشاب، إنه يرى أن حجة المنادين ببقاء العقوبة إنما يتحدثون عن الجرائم الشديدة والعنيفة التى ترتكب وتستأهل المعاملة بالمثل، الموت بالموت.

إلا أن بيكاريا يرى أن تغير الدولة من فكر الانتقام هذه إلى أن تسن قوانين عقابية فيها من الرحمة أكثر ما فيها من العذاب، قوانين معتدلة وليست قاسية غليظة القلب، ومن هنا فإن «السجن المؤبد» سيكون أفضل فى مجال العقوبة من عقوبة الموت «تلك العقوبة التى تستنفد كل أغراضها فى لحظة واحدة».

إن التنفيذ السريع غير مجدٍ، وأن الجانى وجب أن يذوق مرارة العقوبة ذاتها، أكبر مدة ممكنة.

وفى النهاية نادى بيكاريا بإلغاء العقوبة العظمى صراحة، إذ إن حياة الإنسان لا سلطان لإنسان آخر عليها.

ونواصل المسيرة الفكرية فى الشاب الإيطالى الفقيه بيكاريا.