رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

إذا كان تقدم الأمم يقاس بمستوى تعاملها مع أزماتها، فإن التعامل مع أزمتى سد النهضة من جانب مصر ومقتل الطالب ريجينى من جانب إيطاليا يقدم لنا فكرة عن مستوى تعاطينا مع قضايانا فى مواجهة الأمم الأخرى، فإذا كانت مصر ابتليت بأزمة «النهضة»، فقد ابتليت إيطاليا بأزمة ريجينى. فى الحالة الأولى الأزمة قومية، وفى الثانية الأزمة تتعلق بفرد، أى أن الأثر الكارثى للأولى أكبر بمراحل من فقدان فرد.

 فى الحالة الأولى الأزمة تتعلق بمستقبل شعب، وفى الثانية تتعلق بما يمكن وصفه شخص أصبح فى عداد الماضى، والمستقبل أهم من الماضى. فى الأولى مصر دولة فى حكم المعتدى عليها، وفى الثانية فى حكم المعتدية. التصور الافتراضى يقوم على أن رد فعل مصر بشأن النهضة يجب أن يكون على شاكلة رد فعل إيطاليا بشأن ريجينى، إن لم يكن أكثر قوة. ولكن انظر كيف كان تصرف القاهرة وروما تجاه كل أزمة؟ الفرق كبير. فى حالة «النهضة» تعاملت مصر برخاوة، وأخذت تفكر وتفكر، ثم أخذت تفكر وتفكر، حتى صحت وكارثة إنجاز السد ماثلة أمامها. فى الثانية كان صوت روما يصدح فى جميع وسائل الإعلام العالمية بما حول الحادث إلى ما يشبه الفضيحة لمصر رغم أنه لم يثبت رسمياً أى شىء من الاتهامات التى توجهها السلطات الإيطالية لنظيرتها المصرية وقد لا تثبت، ولكنها قوة الدولة فى مواجهة الآخر.

فى حالة «النهضة» ما يربطنا بإثيوبيا من مصالح، لا يقارن بما يربط إيطاليا بمصر من علاقات تعاون استثمارى وسياسى. التضحية بعلاقات مصر بأديس أبابا –وهذا ليس مطلباً وإنما تصور– كان من أسهل ما يكون من أجل قضية حياة أو موت شعب تعداده 90 مليوناً، وهو أمر لم يتم. فى حالة ريجينى لم تستح إيطاليا أو تحاول التعامل بدبلوماسية، بل راحت تلوح بأقصى ما فى اللغة من عبارات تهديد ضد القاهرة حتى إن البعض راح يعتبر موقف روما يمثل ما يوصف بالإنذار الثانى لمصر بعد الإنذار البريطانى فى النصف الأول من القرن الماضى.

لسنا من دعاة العنتريات، ولن نكون، لكن النظرة المقارنة للأزمتين .. «النهضة» وريجينى وموقع مصر فيهما مختلف بما يتيح استخلاص الدروس، تقول إن هناك مشكلة على صعيد نمط صنع القرار فى مصر وبشكل خاص تجاه الخارج. ففى مواجهة دولة ضعيفة -حالة «النهضة»-  تقدم على اغتصاب حقنا، فإن موقف مصر ضعيف، وهو كذلك ضعيف -حالة ريجينى-  فى مواجهة أزمة توجه لها فيها أصابع الاتهام من قبل دولة قوية.

هل لذلك من تفسير؟ بالطبع هناك تفسيرات وليس تفسيراً واحداً. هل يعود الأمر لرؤية السياسة الخارجية لحالة «مصر المأزومة» أمام العالم؟. هذا أحد الاحتمالات. هل تنطلق مصر من رؤية مثالية تسامحية باعتبار أن الدنيا لا تستاهل أن نضيّع عمرنا فى هجر وخصام؟ ممكن، لكن مشكلة هذه الرؤية أنها لا ينبغى أن تتجاوز العلاقات الإنسانية إلى علاقات الدول. هل هناك تفسيرات أخرى؟ بالتأكيد، لكن أياً كانت، فذلك لا ينفى أن المشهد السياسى يؤكد أن مصر -للأسف-  أصبحت لقمة سائغة على موائد اللئام!

[email protected]