رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أنا ممن يقدرون الكاتب الصحفى حلمى النمنم وزير الثقافة الحالى.. عرفته صحفيًا قديرا قبل أن يكون وزيرا مقتدرا.. غير أنه يبدو أن مقتضيات المنصب تفرض أحيانا نفسها ومن هنا ينتابنى بعض القلق من مواقفه التى تعكس تحولات المثقف حين يقبع فى قلب السلطة. أقول ذلك بمناسبة ما كتبه الوزير فى مقال له أمس الإثنين الماضى بجريدة الوطن تحت عنوان «أساطير سد النهضة»راح يفند فيه ما ذهب إليه أحد الكتاب فى جريدة الحياة اللندنية بشأن إمكانية الاعتماد على دور إسرائيلى فى مواجهة الازمة. المقال بدا ثريا بما قدمه النمنم من جوانب أتصور أنها تخفى على كثيرين وهذا ليس غريبًا عليه باعتباره أقرب إلى الباحث منه إلى الصحفى أو الوزير.. غير أن ما يؤخذ على النمنم وجهة النظر التى يحاول أن يسوقها لنا من خلال المقال.. والتى تبدو لى وكأنها مواجهة أساطير بأساطير.

لقد بدا النمنم واقعيا حينما راح يقوض تلك الفكرة او الأسطورة السائدة لدى قطاع كبير من العرب حكامًا أو محكومين بفاعلية إسرائيل وهو التصور الذى جاء كما يشير كميراث من حكم الرئيس السادات والذى آمن على مدى سنى حكمه بأن 99% من أوراق اللعبة كما كان يحلو له القول بيدى الولايات المتحدة.. الآن انتقلت النسبة فى نظر الكثيرين منا إلى إسرائيل وباتت كما يصفها البعض ساخرا الباب الملكى لعبور المحيط.. إلى الولايات المتحدة طبعا وغيرها من الوجهات التى قد نعجز عن الولوج إليها.. ولعل توفيق عكاشة بتفكيره، السطحى أو العميق لا أدرى بماذا أصف موقفه، كان يعبر عن هذا التوجه حين راح يتوجه للسفير الإسرائيلى بالتدخل لحل أزمة سد النهضة.

غير أن المشكلة ان النمنم الذى بدا لى وكأنه حطم اسطورة بسطور مقاله، راح يبنى على أنقاضها اسطورة أو اساطير أخرى، تجعل من كلماته بمثابة كلمات من ذهب بالنسبة للجانب الإثيوبى الذى لن يجد أفضل من يعبر عن موقفه سوى ما قاله النمنم. تحليل كلمات النمنم فى المقال يجعلك تنتهى إلى تصور أنه يسوقنا سوقا إلى تطبيع مع تقبل سد النهضة على شاكلة التطبيع الذى قادنا إليه قادة ومفكرون عرب مع إسرائيل. مع النمنم سوف تتصور بأنه مع سد النهضة.. ذاك أفضل.. وأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.. ولما لا وأثيوبيا حفت اقدامها من أجل إقامة هذا المشروع منذ اوائل القرن الماضي. وكأن الحلم القديم لإثيوبيا يمكن أن يصبح مسوغًا لقبول مشروعها على غرار قبول البعض لحلم هرتزل بإقامة إسرائيل وهو حلم للأسف خدع به بعض رموزنا الكبار بمن فيهم طه حسين.

هل من المعقول أن يسوق لنا النمنم حلم النهضة الاثيوبى بقوله إن من حق إثيوبيا ان تسعى للتنمية وللنهوض ولا يمكن لأحد أن ينازعها فى ذلك؟ غير أنه يتحفظ على أن يتم ذلك دون الإضرار بمصالح مصر المائية؟ لو كان لدى النمنم معلومات بأن ذلك سيتم ولا تضار مصر من السد، فليشفى غليلنا ويجعلنا نرتاح ونخرج من نفق الشعور بالكارثة التى ساقها لنا خبراء وأجهزة رسمية على مدى السنوات الخمس الماضية منذ أن شرعت اثيوبيا فى بناء السد بعد ثورة يناير مباشرة.

المشكلة أن الحديث عن أخطار سد النهضة أمر لم يتحدث عنه المواطن العادى الذى يجهل مثل هذه الأمور تماما وهى تمثل بالنسبة له الألف وكوز الدرة بالنسبة للأمي! المشكلة أن تنامى الخوف من أخطار لا تحمد عقباها إذا ما أنجز مهمة قام على بذرها وزراء رى وزراعة وخبراء. ليت كلام النمنم يكون حقيقة ولا يكون هناك خطر حينئذ سنضع فى بطوننا «بطيخ» وليس بطيخة واحد صيفي. غير أن حديث النمنم يبدو حديثا تصالحيا يفتقد الأسس السليمة ويزرع اسطورة قد نصحو معها على كارثة. إن حديث النمنم يؤكد ما ذهبنا إليه فى مقالنا الاخير بوفد الخميس الماضى من أن هناك لغزا يحيط بموضوع سد النهضة.. لا نطلب معه من المسئولين سوى أن يخرجوا ليقولوا لنا بصراحة هل هناك خطر من سد النهضة أم لا؟ فالمصرى لا يبحث عن الخطر أو عن أن يستشعر خطر من فراغ وإنما هو ينقل ويتلمس ما يعبر عنه المسئولون الذين يراهم لسان حاله؟

[email protected]

وإذا كان حديث النمنم صحيح، وهو كذلك بشأن الفقر المائى فإن ذلك أدعى ما يكون للحفاظ على كل قطرة ماء، وإذا كان بعض ما يقترحه أو يقدمه كتصورات للحل يمكن أن تكون عملية فإنها قد لا تكون الأكثر مناسبة لمصر، فحل أزمة مصر المائية تكمن فى النيل واستغلاله وتطوير ذلك الاستغلال، ولعله من هنا عبقرية العبارة التى ساقها هيردوت بأن مصر هبة النيل، على خلاف الرؤية التى يحاول بها النمنم تقويضها بالتأكيد على أن النيل هبة مصر، وهى مقولة تبدو فارغة من المعنى سواء بمنطق الطبيعة أو بمنطق الحضارة! لا أريد أن أشير هنا إلى دراسات عديدة قدمت بشأن الوفرة المائية التى يمكن ان يحققها تعاون دول حوض النيل والتى تتجاوز المائة مليار متر مكعب من المياه سنويا.. أعلم أن النمنم ينطلق فى تصوراته من توجه وطنى.. غير أنه ليس بالأساطير أو الأساطير المضادة تحيا الأمم!