رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

لعل من أهم مشكلات التعليم العالي، وجود مايسمى بالمجلس الأعلى للجامعات بلوائحه وسلطاته الحالية التي تحتاج بلاشك لإعادة نظر، إذ على الرغم من وجود المجلس الأعلى للجامعات الحكومية ومثله بالنسبة للجامعات الخاصة ؛ فإن هذه المجالس بدلا عن أن تكتفي برسم السياسات ومتابعة تنفيذها وتقييم ما يجري من تطوير وتحديث فى نظمها التعليمية والبحثية وتدفعها دفعا نحو ضرورة التحديث والتطوير المستمرين، أصبحت تمثل العائق الأول أمام أي عملية تحديث ؛ حيث تحرص دائما على وضع أسس ولوائح من شأنها قولبة وتنميط وتجميد الأنشطة التعليمية والبحثية بحجة الحفاظ على تكافؤ الفرص بين الجامعات والكليات المتناظرة. ومن ثم فأى كلية أو معهد علمي فى أي جامعة يريد تحديث أي تخصص أو اضافة تخصص جديد ضمن لوائحة، لابد إما أن يستند على نظير سابق له أو يظل قيد الدراسة - بعد موافقة الكلية والجامعة المختصين عليه - فى أدراج هذا المجلس إلى أن يفقد جدته وحداثته، ناهيك عن أنه لابد أن يصدر به بعد كل ذلك قرار وزاري وأحيانا قرار جمهوري حتى يمكن من تنفيذه وتطبيقه على أرض الواقع!!

أما عن نظم تعيين وترقية أعضاء هيئة التدريس فهي لاتزال متشبثة بقيم الاشتراكية الشكلية البالية، حيث لايزال نظام تعيين المعيدين هو هو حيث يعين الأوائل بترتيب مجموعهم ولا اعتراض على ذلك من حيث الشكل لكن الاعتراض أنه فى كثير من الأحيان مايفرض هذا النظام تعيين طلاب حفظة وليسوا مبدعين، وليسوا مؤهلين للبحث العلمي كما يمكن ألا يكونوا قادرين حتى على مواجهة الطلاب وتوصيل المادة العلمية بالأسلوب الأمثل!!

وبعد هذا التعيين للمعيد يفرض على القسم العلمي تأهليه رغم أنه قد لايكون مستعدا لذلك، ويتم فى ظل هذا المناخ فى كثير من الحالات حصول هذا العضو على درجاته العلمية بشكل روتيني دون إمكانية التخلص منه، فهو ببعض المكر والدهاء وبعض أساليب التحايل وربما الخداع يفلت من الامكانية التي يوفرها القانون للتخلص منه، لدرجة أنه قد يظل فى الدرجة الواحدة عشر سنين أو أكثر رغم أن القانون يقصر ذلك على خمس سنوات كحد أقصى!!

والطريف أن بعض هؤلاء بعد أن يحصلوا على الدكتوراه ويصلوا إلى درجة مدرس لايتقدمون للحصول على الدرجات الجامعية الأعلى، ومع ذلك يظلون بالجامعة كأعضاء عاملين ثم متفرغين بقية عمرهم ولا أحد يستطيع الاعتراض على ذلك!. صحيح أن بعض هذه الحالات يتمتعون بالكفاءة والقدرة ويمتلكون امكانية الترقى بعملهم وانتاجهم العلمي على ندرته وقلته لكنهم يحجمون عن ذلك لأنهم قد يكونون غير راضين عن نظم الترقية المعمول بها أو لظروف خاصة يمرون بها، لكن الكثير من هذه الحالات تعمدت الكسل ورضيت بما وصلت إليه وبما يحقق لها الحد الأدنى من الرضا الوظيفي ناسين أن العمل الجامعي أساسه التطور والتجدد المستمرين، وأن الأستاذ الجامعي الذي يتوقف نشاطه الإبداعي ولا يواصل إنتاجه البحثي والعلمي لايصلح مطلقا لهذه المهمة السامية، وهي مهمة بناء المستقبل المتجدد لتخصصه العلمي وتربية جيل جديد من المبدعين فيه ؛ فالاستاذ الجامعي ليس مجرد ناقل للمعرفة بل لابد من أن يشارك في صنعها وتجديدها باستمرار.

والحقيقة أن الكثير مما يعاني منه التعليم الجامعي من مشكلات ومعوقات قد يعود إلى نوعية الطالب الذي يأتيه من التعليم قبل الجامعي وهو كما أشرنا فيما كتبناه عن التعليم العام من قبل طالب لم يتدرب على التفكير العلمي، وكذلك على التفكير العقلي المستقل ولم يتلق معارفه إلا بطريقة التلقين والحفظ، وقد يعود إلى نظام القبول بالجامعات الذي يستند حتى الآن إلى معيار ثابت هو مجموع الطالب فى الثانوية العامة أو ما يعادلها، كما يستند إلى ثقافة عامة خاطئة لكنها شائعة وهى ثقافة التمييز بين كليات القمة وكليات القاع بدلا عن الاستناد إلى ثقافة أن لكل طالب قدراته ومهاراته وهواياته التى تؤهله لدراسة تخصص معين يمكنه الابداع والتفوق فيه .

وقد فرض ذلك على الجامعة وأساتذتها نظما للتدريس يكرس لنفس النظام، نظام التلقين والحفظ وذلك عبر نظام المحاضرات والكتب أو المذكرات المقررة وهذا ماساهم فى وجود مانسميه الآن «الجامعات الموازية» حيث يقوم طلاب سابقون باحتراف مهنة تسجيل المحاضرات وتلخيص الكتب واعطاء الدروس الخصوصية للطلاب الجامعيين ومن ثم انتقلت عيوب النظام التعليمي برمتها تقريبا من المدرسة إلى الجامعة وفقدت الجامعة أحد مقوماتها الرئيسية وهي الحرص على تربية الشخصية العلمية الابداعية المستقلة للطالب، حينما التزمت بنظام الكتاب المقرر الذي لايختلف كثيرا عن الكتاب المدرسي الذي كان مقررا على الطالب قبل ذلك، وحينما التزم أساتذتها بالطريقة التقليدية فى التدريس والتقييم إلا باستثناءات قليلة لاتزال تقاوم وتحاول الحفاظ على رسالة الجامعة الأساسية التي حددتها المادة الأولى من قانون تنظيم الجامعات وهي «إعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة وطرائق البحث المتقدمة والقيم الرفيعة».

وإذا كان هذا هو حال التعليم الجامعي الآن، فكيف يمكن تطويره؟ ومن يبدأ هذا التطوير؟ هل من تسريع ودعم عمليات هذا التطوير من خلال الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد؟ أم من خلال العمل على سرعة إنجاز القانون الجديد للجامعات والتعليم العالي؟ وهل يتم التطوير بشكل تدريجي ومرحلي أم بشكل جذري بالنظر فى فلسفة التعليم العالي وتغييرها والاندفاع نحو تغيير هيكلي وثقافى جوهري؟! هذه وغيرها تساؤلات يجيب عنها مقالنا القادم.