رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

 

 

أراك.. أنتظرك فى أى لحظة.. أشعر بك حولى تتربص بى، خلف شجرة تسقط على فى لحظة ريح عتى، فى عجلات سيارة مندفعة غاب وعى سائقها، فى سقطة حفرة عميقة سوداء تركتها أيادى بلا ضمائر مصيدة للعابرين، فى صعقة كهرباء، فى شرقة مياه، فى مرض عضال يعذبنى ويغسلنى من الذنوب، فى نبضة قلب تتوقف فجأة لألقاك فجأة وأنا واقفة كالاشجار ولم يتأفف من مرضى أحد ولا يتثاقل من همى أحد، أنتظرك فى أى سبب من أسبابك التى تسوقها لنلقاك، وأنتظرك ايضا بلا سبب، هكذا فجأة كما يرحل اليك الراحلون.. فجأة بلا أسباب أو مقدمات ليضرب احبائى بعدى كفا بكف اندهاشا ولوعة وقد كنت منذ لحظة بينهم املأ الدنيا صياحا وبهجة وحياة..

أراك متوشحا بالرحمة لتخليص جسد من عذابه ومرضه الطويل، واراك وفى يدك القسوة وانت تنتزع أما من وليدها ليلتقم بعدها صدر اليتم والحرمان المرير، ينتزع أبا من اطفاله الصغار ليفقدوا العائل والسند، ينتزع ابنا وحيدا من أبويه ليموتوا وهم احياء بعده بين لوعة الفراق فى كل لحظة، تنتزع أخاً.. أختاً.. أى قريب غالى وكل صديق عزيز.. تحرم الحبيبة من حبيبها، وتمزق قلب الحبيب بانتزاع حبيبته.. أراك بيدك الجبارة ترمل وتيتم وتثكل الآباء والامهات، وانت باق صامد لا يهتز لك قلب ولا ترمش لك عين وجلا ولاخوفا.. تنفذ الامر العلوى.. كن.. فيكون.. انزع الروح فتنزع.. تأتى فى لحظة قدرية مكتوبة لتترك خلفك سوادا وأحزانا وقلوبا جريحة وعيونا نازفة، نكرهك ونخافك.. ولكن نحترمك.. ونعترف بك كحقيقة دنيوية وحيدة بعد حقيقة وجود الله الرحمن الرحيم، كثيرون منا يعيشون فى انتظارك مثلى.. ويتوقعون قدومك فى أى لحظة ويستعدون لك قدر استطاعتهم بتقوى الله، وكثيرون أيضا نسوك ولا يعتقدون انك قادم لا محالة، فأغرتهم الحياة وأعمتهم مفاتنها، وغرقوا فى ملذاتها بكل تيه فوق كراسى السلطة وبين شهوة النفوذ والمال، لا تدمع لهم عين خشية لقاك أو خشية الله، ولا يهتز لهم قلب خوفا يوم تحملهم الايادى عراة إلا من قطعة قماش مجرده بلا مال ولا جاه ولا سلطان لتلقى بهم فى حفرة سوداء ليس بها إلا أعمالهم ليواجهوا حساب أعمالهم.

أراك قريبا منى كلما سرت هذا الطريق الطويل الضيق المترب هنا أو هناك بين رفات من سبقونا وتواروا فى حفرهم الصغيرة المظلمة، أراك وأنا أنزف الحزن والدمع حين أشيع جثمان حبيب أو عزيزاً على، فأعود الطريق وأنا اشعر بك ماثلا أمامى، وأنتظر يدك القاسية الجبارة.. لتنزع روحى من جسدى وأكاد أقسم لنفسى أن دورى حان.. وأن لحظتى جاءت، فأشعر بالرغبة واللهفة فى لقاء خالقى لهفة الحبيب على حبيبه، وأشعر بالخوف العظيم من هذا اللقاء خشية ذنوب لم تمهلنى لاتوب منها.. وذلات لم تمهلنى لأستغفر الله عنها، فاشعر بالالم يعتصر قلبى وأنا أرى بعين خيالى أحزان أولادى لفراقى، ودموع احبائى فى الله وقد فقدونى، فأبكى لأجلهم لا لأجلى، وادعو الله من كل قلبى أن يجعل فى موتى رحمة لى.. وأن يلهمهم الصبر بالايمان لفراقى وأدعو الله أن تترفق بهم ايها الجبار.

بالأمس القريب سرت هذا الطريق الطويل الضيق المترب فى مقابر الإمام الشافى، العين غائمة فى الدمع، والحزن يعتصر القلب.. قلبى وقلوب زملائى فى «الوفد» لرحيل أخ وصديق أو زميل عمر آخر من زملائنا، عبد المجيد اسماعيل، صاحب القلب الطيب والوجه البشوش السمح، صاحب الابتسامة التى لا تفارقه، والصبر الطويل الذى كان يواجه به كل مشاكل العمل فى سكرتارية التحرير، تأتيه صفحات الجريدة اليومية فيرسمها مع باقى زملائه بالشفت بكل حب وفن، وفى اللحظات الأخيرة يجد جديد الاخبار والأحداث فى عالمنا الصحفى الذى لا ينتهى من المفاجآت، فيهد ما رسمه ليعيد رسم الصفحات من جديد فى سرعة ودقة وفن، والابتسامه الصابرة الطيبة لا تغادره، لم نسمع منه يوما شكوى، ولا زفرة ضيق ولا كلمة اعتراض، كان انسانا بمعنى الكلمة، فأحبه كل من حوله حبا فى الله، ولا أعرف كيف ستصبر زوجته الرقيقة المحبة المخلصة على فراقه، ولا كيف سيصمد فلذتا كبده محمد وعمر على رحيله وقد شق صراخهما وبكاؤهما الكون ومزق قلوبنا، وهم يتشبثان بجسده لحظة اختفائه فى حفرته وكأنهما يرجوان الله ان يعيده ليبقى بينهما أبا حنونا مضحيا معطاء.

 حين غيَّب المرض عبد المجيد عنا أياما، دعونا الله جميعا بلسان وقلب واحد له بالشفاء، واعتقدنا انها وعكة ستمر كما مرت عليه وعكات من قبل ولكن الله قال كلمته.. وملك الموت نفذ الامر، وكان الرحيل.. وكانت الصدمة.. لنرى اسمه معلقا فى ورقة النعى على جدار الجريدة بكل قسوة، هذا الجدار الذى بتنا جميعا فى الوفد نتشائم منه، فكلما علقنا ورقة تنعى أحدنا وقبل أن تمر ثلاثة أيام للحداد لننزعها فاذا بنا قد علقنا ورقة أخرى لنعزي جديداً، فبات هذا الجدار جدار الأحزان.. جدار فراق الأحبة والأصدقاء والزملاء والأقارب، حتى بات بعضنا يحاول أن يتجاهل هذا الجدار ولا ينظر اليه، حتى لا يفاجأ بعزاء جديد فى صديق وزميل من زملاء العمر، وليحاصرنا بعده الترقب والانتظار.. من سنبكى غدا.. أو سيأتى الغد ليبكينا نحن الآخرين.

غيَّب الموت عبد المجيد، كما غيَّب من قبله أجمل وأطيب الزملاء، وكأن الموت يختار.. يا رب امنحنا الصبر على فراقهم، يا رب امنحنا العظة من رحيلهم بأن الدنيا زائلة بكل زينتها وشهواتها، وانه لا يبقى الا العمل الصالح وحب الناس ودعاؤهم لنا بالرحمة بعد الرحيل، ويا موت قل للحزن اللى سكن بكل أطرافى أن يستكين.. ما عاد بعد فراق الاحبة تغرينى حياة، ماعاد يغرينى فرح ولا تصبرنى مواساة، قلبى الطفل ماتت فيه الأحلام، صار ينتظر يوم الرحيل وفى انتظاره لا أنام.

 

[email protected]