رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من العبارات الشهيرة التي أصبحت تجرى في حديثنا مجرى المثل والتندر أيضا تلك التي رددها جوبلز وزير إعلام هتلر وراح يقول فيها: «عندما أسمع بكلمة ثقافة أتحسس مسدسي».. على المنوال ذاته فإنني عندما علمت بنبأ فوز توفيق عكاشة في الانتخابات البرلمانية وبأعلى نسبة أصوات على مستوى الجمهورية رحت أتحسس عقلي بشأنه فهمه لمفهوم الديمقراطية. والمشكلة أنني توصلت في النهاية إلى صحة شكي في المفهوم والتوصل إلى نتيجة مؤداها أنه لا يوجد مفهوم استطاع استلاب الوعي الإنساني المعاصر أكثر منه.. وهو يؤكده ما أشار إليه روبرت دال في كتابه «الديمقراطية ونقادها» من أن «فكرة الديمقراطية تحظى في يومنا هذا بشعبية عالمية حتى إن معظم الأنظمة الحاكمة تحاول أن تدعي بأن لها إسهاما معينا في مضمار ممارسة الديمقراطية، حتى المستبدون من الحكام يؤمنون على ما يبدو بأن إضفاء مسحة من لغة الديمقراطية إنما يشكل عنصرا أساسيا من العناصر المكونة لشرعيتهم». وقد وصلت سمعة المفهوم البيضاء النقية إلى الحد الذي لا تجد أمامك عندما تريد أن تمدح شخصا سوى أن تقول إنه شخص ديمقراطي!

غير أن التوغل في التاريخ الإنساني يكشف لك أن المفهوم سيئ السمعة.. أعلم أنك لن تقبل مني ذلك رغم أنك قد تتقبل مني أن أنكر وجود الله، وهذا يدلك على المدى الذي وصلت إليه قوة المفهوم وسطوته إلى حد لا يمكن لأحد معه الحديث عنه بسوء أو أن يتناوله بالنقد، بل يمكن أن يدرج مثل هذا الشخص في عداد المتخلفين عن ركاب العصر، المتزمتين. وتبرز هذه الظاهرة كأبرز ما تكون في سياقنا العربي الإسلامي بالتحديد.. فالمسلمون مثلا في نظر الغربيين متخلفون لأنهم لا يؤمنون بالديمقراطية ولا يعرفون كيف يمارسونها، فيما كان رد فعلنا على الجانب الإسلامي محاولة إثبات زيف هذه المقولة بالمزاوجة بين الفهم الإسلامي لنظام الحكم والديمقراطية، حتى إن مفكرا مثل الترابي عندما راح يؤصل لمفهوم الشورى مثلا راح، كما لاحظ باحث غربي في رسالة دكتوراه ناقشها في إحدى الجامعات البريطانية، يضع أسسها لتتشابه مع الديمقراطية وتتبعها حذو النعل بالنعل، باستثناء جانب السيادة، والتي في المنظور الإسلامي لله فيما أنها في المنظور الغربي للشعب!

الموقف الرافض للديمقراطية قديم قدم التاريخ.. فقد كان سقراط يرفض الديمقراطية الأثينية التي كانت تفترض أن أي إنسان يصلح لشغل أي منصب. كما أن أفلاطون مثل أستاذه هاجم بشراسة التجربة الديمقراطية واعتبر مجتمعها مجتمعا فاسدا. أما على مستوى رؤيتنا المعاصرة فقد قدم المفكر الأمريكي جون اسبوزيتو ملخصا معبرا عن تحولات المفهوم حين أشار إلى تعدد صيغ فهمها باختلاف الزمان والمكان.. وحسب عبارته انها تعني أشياء مختلفة للشعوب المختلفة في الأزمنة المختلفة من اليونان القديمة إلى أوروبا الحديثة، من الديمقراطية المباشرة إلى الديمقراطية غير المباشرة، من حكم الأقلية إلى حكم الأغلبية، وأنها حتى قرنين مضيا كانت مفهوما سيئ السمعة.

ولعله مما يؤكد أن الديمقراطية مفهوم جدالي في حد ذاته أن تعريفا إجرائيا له قدمه المفكر الأمريكي صموئيل هنتنجتون - وقد كان يمثل على الصعيد الفكري اليمين الأمريكي - في سياق دراسة له ضمن كتاب «الموجة الثالثة» حول التحولات الديمقراطية في العالم انتهى إلى استبعاد الولايات المتحدة، التي يعتبرها البعض قلعة الديمقراطية، من كونها نظاما ديمقراطيا انطلاقا من حرمانها نحو 10% من سكانها من زنوج الجنوب من المشاركة في الانتخابات.

غير أن باحثا مرموقا مثل لاري دياموند أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد، وأحد مؤسسي جريدة «الديمقراطية» قدم لنا رؤية أكثر إثارة للجدل في مقالة له نشرها في مجلة «فورين آفيرز» الأمريكية، كنت قد نشرت ترجمة وعرضا نقديا لها عام 2008، مفندا الهالة الضخمة التي يثيرها البعض بشأن نموها، فرغم إشارته إلى أنه منذ عام 1974 تحولت أكثر من 90 دولة إلى الديمقراطية وأنه بحلول نهاية القرن الماضي أصبحت نحو 60% من دول العالم المستقلة تقريبا تدرج في عداد الدول الديمقراطية، إلا أنه يؤكد أنه بعد عقود مما يعتبره البعض من مكاسب تاريخية على صعيد تنامي الديمقراطية يشهد العالم، على العكس ما يصفه دياموند بانتكاسة ديمقراطية في ظل صعود ما يصفه بـ «الدولة المفترسة»، على نحو يهدد الديمقراطيات الوليدة ومساعي تأسيس ديمقراطيات جديدة حول العالم.

وبتعبير دياموند في وصفه لأزمة الديمقراطية التي تحياها بعض دول العالم الآن يقول: إن الديمقراطية أصبحت ظاهرة شكلية، يتم إفسادها من الصيغ المتعددة لنظم الحكم السيئة وانتهاكات الشرطة وقوات الأمن وسيطرة حكم الأقلية المحلية والبيروقراطيات العاجزة والنظام القضائي الفاسد وفاقد الفعالية، والنخب الحاكمة المرتشية التي ترفض تطبيق حكم القانون ومحاسبة عناصرها. وعلى ذلك، فإن الكثير من الناس، والكلام ما زال لـ«دياموند»، في هذه الأقطار، وبشكل خاص الفقيرة، يعدون مواطنين فقط بالاسم في ضوء حقيقة غياب القنوات التي تسمح لهم بالانخراط في عملية مشاركة سياسية واسعة. يقول دياموند: توجد انتخابات ولكنها مجرد تنافس بين الأحزاب العميلة والفاسدة فقط. توجد برلمانات وحكومات محلية، ولكنها لا تعكس المكونات الأوسع للمجتمع. يوجد دساتير ولكن في ظل غياب روح الالتزام بها.

باختصار، وعلى حد ما يذهب أحد أساتذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فإن المفهوم لم يتخذ على طول مسيرته معنى واحدا أو شكلا موحدا رغم امتلاكه جاذبية كبرى كواحد من أهم مفاهيم المنظومة الغربية وهو ما يؤكد ما يذهب إليه البعض من خطأ تصور أن الديمقراطية تعد نظرية جاهزة أو وصفة لحل مشكلات الحكم والسيادة والتنمية.

[email protected]