رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عندما يغتال فنان كبير مثل خالد يوسف الذي أطلق صرخة «هي فوضي» ليستمر صداها بفضاء وشوارع مصر حتى ثورة يناير 2011 فإن الأمر يتعلق باغتيال مرحلة وتيار وفكر وليس شخصا، الاغتيال المعنوي والوجودي لخالد يوسف يعكس حقيقة الحالة الإعلامية بمصر التي تدهورت بشكل مفزع بعد ثورة يناير 2011، التدهور استمر موازيا لتدهور سريع في العملية السياسية وفي مستوى أداء النخب، فور سقوط «مبارك» خرج الإعلام من الفتارين للشارع يعرض بضاعته بثقافة ولغة وكالة البلح، الأعلى صوتا يبيع والأقل يذبح، خطط الإخوان للحكم خمسمائة عام وتحول المشروع الى فاصل قصير انتهي يوم 3 يوليو 2013.

خلال فاصل الإخوان ولدوافع متباينة جدا انقسم الأداء الإعلامي معسكرين، إخوان مدججون بالثقة المصبوغة بالغرور والتعالي ورافضون مذعورون من تصور استمرار الكابوس، الرافضون معظمهم من كارهي الإخوان من قبل ثورة يناير لأسباب معظمها يتعلق بتعارض المصالح والأهواء أكثر منها دفاعا عن وطن قد تغتصب هويته، انتهي الفاصل الإخواني وبدأ فاصل انتقالي مع الرئيس عدلي منصور كان مناسبا لالتقاط الأنفاس وترتيب الأوراق الجديدة، واكب الإعلام ما يحدث بنفس لغة ومهنية وكالة البلح، أصوات عالية تصرخ لتسود وتفتح الطريق لفتوات يأتون من الخلف قد لا يحملون نبابيت غليظة ولكن الاهم دفاتر الشيكات وحسابات بنوك مستعدة دوما للتحويل.

المهم أن تظل تصرخ وتتهم وتغتال معارضيك وخصومك في غرف نومهم، خلال استراحة المستشار الجليل عدلي منصور تعلقت المقادير كلها بالرئيس السيسي واستدعته الضرورة والمشاعر ووطنية رجل لن نختلف عليها، توقع البعض أن ينقل الاعلام فرشته من الوكالة والمدبح الى سوق جديد بقواعد عمل جديدة، أن يستغني عن النبابيت والسكاكين والرصاص بالاقلام والميكروفونات والكاميرات التي تنقل الأحلام وتلفظ الكوابيس.

 المشهد كان ولايزال صادما، انفجرت ماسورة الاعلام ليخرج من تحت الأرض عشرات القنوات الفضائية خلال خمس سنوات، وكالة البلح انتقلت من بولاق الى مدينة الانتاج الاعلامي وتحول البصاصون والجزارون الى مذيعين استحلوا كل المبادئ والقيم من اكبرها الى ابسطها، تسريبات تملأ الف صندوق اسود رصفت الطريق امام اصحابها لينالوا شرف تمثيل الشعب في البرلمان، كوميديا مصرية صميمة أن تكافئ الناس على فضائحهم وخرقهم للقانون وأحيانا جهلهم الذي يحولهم الي مفجري ثورات، وجوه كثيرة أطلت علينا كثيرها كالح وقليلها فالح، تجاوز تجار الاعلام كل الحدود، استخدموا صبيانهم للضرب تحت الحزام ولتصفية حسابات عامة باستباحة الحياة الخاصة، منتهي القبح والدونية والوقاحة أن تعطي نفسك الحق في اغتيالي معنويا مقابل رقم يضاف لحسابك في البنك.

وجوه أخرى أخذت الناس بعيدا عن مشاكلهم الحقيقة لتسليهم بتحقيقات كاذبة عن شباب شواذ برأهم القضاء من التهمة لكن من يرد لهم كرامتهم، شغلوا الناس عن مشاكل ديون مصر وسد النهضة والطاقة وانهيار التعليم والرعاية الصحية بموضوعات عبثية وكأننا وطن من الاطفال الذين يمثلون أدوارهم في معركة بقليل من الطين والعصي.

مع كل هذا التدهور بقي السؤال الطبيعي، أين تقف الدولة المصرية الجديدة من هذا السقوط الاعلامي، هل تركت المشهد لينكشف أمامها الجميع وبعد ذلك تتم عملية التطهير، هل تركتهم يأكلون بعضهم بعضا؟ هل أعطت ظهرها لإعلام وكالة البلح وعينها على كبار التجار الذين يقفون خلف الصبية والمراهقين والمنتفعين؟ هل في حسابات الدولة ومعلوماتها بالفعل أن هناك لاعبين كبارا من داخل فنادق خمس نجوم يستخدمون عصا موسي وقميص عثمان لإدارة لعبة المصالح وكسب مواقع بأرض السياسة؟

في لحظات كثيرة رأيت الإجابة عن هذه الاسئلة مربكة عندما نشاهد صبيان الوكالة من البصاصين ولصوص الظروف يجلسون بالصفوف الأولي في مناسبات وطنية جليلة، نشاهدهم في مواكب الكبار بالداخل والخارج، ما الحكاية إذن، هل انتقلت الوكالة للقصور ام انتقلت القصور للوكالة، الدولة تحارب ابسط انواع الارهاب وهو الإرهاب المسلح بالعنف ولكنها لم تواجه بعد الإرهاب الأكثر وحشية ودمارا للدولة ذاتها، إنه الارهاب الذي سيدمر الهوية والذات والهيبة والقانون والدستور، إرهاب اعلام وكالة البلح الذي سيفقد الناس الثقة في كل شيء حولها، سيفقدها الايمان بأي قيمة عندما تثبت رؤوس الفئران فوق أجساد الأسود، عندما تستبدل العقول بالاحذية، عندما نخجل من قيمة الشجاعة امام طوفان الخسة والندالة، لحساب من ينزوي الشرفاء ليتقدم الجبناء، لمصلحة من يتراجع العقل أمام جحافل الجهل؟ لمصلحة من تظل عصا موسي وأقرانه فوق رقاب الجميع، سؤال لمن يهمه الأمر مع كامل الاعتذار لوكالة البلح ورجالها فهم أشرف كثيرا من وجوه تطل من نوافذ عالية ومضيئة.

[email protected]