عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في منتصف الثمانينات عملت في أخبار التليفزيون وكان من بين أكثر من اقتربت منهم الزميلين الأستاذ معزوز سلامة أيوب وجورج صادق، كان الأول تجاوز الخمسين والثاني على وشك انهاء العقد الرابع من عمره وأنا في أوائل العقد الثالث. كنا نمثل كل الأجيال.. جيل الكبار والوسط والشباب. بعد انتهاء البرنامج الاخباري «أحداث 24 ساعة» في منتصف الليل أو بعده بقليل نغادر سيرا على الأقدام خاصة مع قرب منزلي والأستاذ معزوز من مبنى التليفزيون ليودعنا الزميل جورج بحثا عن وسيلة انتقال توصله إلى منزله. كنا نجتر الذكريات والتي كان بطلها الرئيسي الأستاذ معزوز لخبراته المختلفة بالحياة.

كان من بين ما فاجأني به في أحد الأيام أنه تم القبض عليه في الستينات بتهمة الانتماء لتنظيم الإخوان المسلمين، وعندما ابديت دهشتي لأن معزوز، رحمه الله، قبطي -  وكذلك جورج كما يشير اسمه -  وأبعد ما يكون عن الانتماء الديني بأي معانيه إسلامي أم مسيحي، حيث انه اقرب إلى التيار العلماني، راح يذكر لي تفاصيل الواقعة حيث إنه كان من بين اصدقائه في الجامعة أحد المنتمين للجماعة وعندما تم القبض عليه حرزت أجندة تليفوناته حيث تم القبض على كل من ورد اسمه بها وكان من بينهم معزوز سلامة أيوب. 

تذكرت هذه الواقعة وأنا أقرأ مقالا لأستاذ كبير في الفلسفة راح يتهم فيه الدكتور حسن حنفي بأنه إخواني صرف، وليس ذلك فقط بل إنه وريث لقيادتها والتي انتقلت إليه، بحكم تلمذته لحسن البنا وسيد قطب، حسبما يذهب صاحب المقال. وقد أخذ صاحبنا يعرب عن أساه وحزنه على ماذا؟ على تلك الطامة الكبرى التي أوصلتنا إليها وزارة الثقافة للمرة الأولى في تاريخها حين راحت تمنح جائزة النيل الكبرى للدكتور حسن حنفي.

الحيثيات التي يقدمها أستاذ الفلسفة عديدة وتجعلك تنقم على الدكتور حسن حنفي، بل وقد يصل بك الأمر إلى حد تمنى اعتقاله، على تلك اللوثة العقلية التي انتابته بالانتماء إلى تنظيم إرهابي. فالرجل – المقصود حسن حنفي – حسب المقال المشار إليه يقدم مشروعه «التراث والتجديد» باعتباره يمثل الحركة الإسلامية المعاصرة وريثة الإصلاح الديني القديم من الأفغاني إلى محمد عبده إلى رشيد رضا إلى حسن البنا إلى سيد قطب إلى.. حسن حنفي.

يريد أستاذ الفلسفة أن يشير إلى أن السلسلة متصلة حلقاتها تبدأ بالافغاني وتنتهي بحنفي.. أي والله! وأول مأخذ على هذه الرؤية أنها تفتقر لأبسط قواعد التفكير العلمي الذي من المفترض أن الأستاذ يدرسه لطلبته في جامعته سواء طنطا او غيرها، والتي تتمثل في ضرورة الفرز قبل التعميم حيث إن الحركة الإسلامية المعاصرة التي يشير إليها ليست تيارا واحدا وإنما تفرعت إلى تيارات عدة منها من يعبر عنها تنظيم القاعدة وداعش في أقصى صور الفكر الديني تطرفا ومنها من يعبر عن تيارات أخرى وسطية.. إلى غير ذلك من تصنيفات يضيق المجال عن التفصيل فيها.

أذكر أنه في أوائل الثمانينات وفي قاعة المحاضرات بكلية الاقتصاد راحت تتبدي لي صورة حسن حنفي، بما اشترعه آنذاك من تيار فكري جديد أطلق عليه اليسار الإسلامي، وكأنه حصان طروادة معاصر تسود الخشية من أن يهدم الإسلام من الداخل.. وهو ما قد يقلل مخاوف دكتور الفلسفة من التأثيرات الإخوانية في حسن حنفي.. لا نريد أن نقول: إن الرجل ليس له علاقة بالإسلام أو شىء من هذا القبيل وإنما هو يتعامل مع الإسلام باعتباره حقلا فكريا، كغيره من الحقول. فبقدر ما برع الرجل في النظر في الفلسفة الإسلامية برع في الفلسفة الغربية وإن كانت براعته في الثانية في تقديري أكثر روعة .. يكفي ان تقرأ او تسمع لرؤاه بشأن فكر أسبينوزا أو هيجل او غيرهما من أساطين الفلسفة الغربية لتدرك تميز حنفي واستيعابه لتيارات الفكر الإنساني عامة وليس الغربي او الإسلامي فقط.

ليس هذا دفاعا عن حسن حنفي، فهو له منابره المتعددة التي يمكنه من خلالها تولي هذه المهمة بالنيابة عن نفسه. بل إنني على مستواي الشخصي كنت مثلا انتظر ان ينال أستاذ الفلسفة  من حسن حنفي بالإشارة إلى انه رغم عمره الذي اضاعه في الفلسفة لم يستطع أن يرتقي لمرتبة الفليسوف، مثلا وانه لا يتجاوز كونه دارساً للفلسفة.. مثله في ذلك مثل من يوصف بفيلسوف العرب الأول الكندي أو في تاريخنا المعاصر الدكتور عبدالرحمن بدوي. أو أن يناقش الدكتور في فكره ورؤاه الإسلامية التي يأخذها عليه ويرى انها تدرجه في عداد الفكر المتطرف. مثلا كنت اقرأ مؤخرا كتاب حنفي «من النقل إلى العقل» في جزئه الأول علوم القرآن وأخذتني الدهشة من ضعف مستوى تناول المؤلف لهذا الموضوع مقارنة بذلك التناول المتميز الذي قدمه الراحل نصر أبوزيد في كتاب له حول هذه القضية.

من ناحية ثانية فإن مقولة أستاذ الفلسفة متهافتة وسهلة الدحض.. فمن قال إن التلميذ يجب أن يكون وريثا لأستاذه .. إن ذلك ليس بالضرورة في كل الأحوال.. وأبرز مثال على ذلك أرسطو تلميذ أفلاطون والذي قدم فلسفة تختلف بشكل يكاد يكون كليا معه. ويمكن القول كذلك إن كل ممثلي التيار الليبرالي والعلماني في مصر في العقود الثلاثة الأولى من القرن الماضي، وعلى رأسهم أحمد لطفي السيد واسماعيل مظهر، كانوا تلاميذ لفكر الأفغاني الذي ينسب إليه استاذ الفلسفة جذور الفكر المتطرف.

ثم لماذا نظر أستاذ الفلسفة لطور واحد من اطوار التطور الفكري لحنفي والذي كان في مرحلة من مراحل فكره، كما اشار الباحث جورج طرابيشي، يمثل الفكر الماركسي. فهل يمكن تجزئة حنفي ومحاكمته على افكاره الماركسية وانه تلميذ لماركس وإنجلز ثم نحاسبه على إسلاميته ثم نحاسبه على ...!

هل تقع كلمات الدكتور أستاذ الفلسفة في إطار النقد العلمي؟ لا. هل تقع في إطار «النفسنة» لأن حنفي منتشر ويملأ الدنيا صخبا بسمعته وفكره؟ ممكن! 

[email protected]