رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اسمحوا لى

هل الضمير سلعة نستطيع أن نشتريها بمناقصة حكومية لمن يدفع أقل، شريطة أن يستوفي المواصفات والشروط التي وضعتها اللجنة الموقرة؟

وهل من الممكن إقامة مصنع للضمير لكي يعبأ في زجاجات نظيفة ورخيصة يشربه الشعب؟.. أو نضعه في بخاخات نستنشقها حتي يسود بلدنا الضمير؟

إن إنساناً بلا ضمير هو إنسان فقد إنسانيته، ومجتمع بلا ضمير مجتمع فاقد لمعني وجوده تحول إلي غابة مصيرها الفناء.

إن الضمير ليس شيئاً محسوساً ولا ملموساً ولكنه مجموعة قيم وأخلاق ومشاعر والتزامات تسود بين المجتمع الصغير وتنتشر وتتسامي إلي أن تكون هي الحاكمة في الوطن كله.

فهل يحتاج المجتمع لكي تسوده قيم الحق والخير والجمال إلي لجنة؟

وهل يحتاج العطف علي الفقير والإحساس بالآخر والانتماء إلي مجتمع نعيش فيه جميعاً إلي لجنة؟

إن المجتمع الذي يتمتع فيه الفرد بالحرية وبإشباع حاجاته الأساسية من الطعام والملبس والمسكن الصحي وبإقامة العدل وتطبيق القانون بنزاهة وشفافية بين كل أفراد المجتمع لا فرق بين غني أو فقير أو صاحب نفوذ أو سطوة، والحصول علي فرص العمل كل حسب كفاءته وتعليمه وليست حسب الواسطة والقرابة لأحد الأغنياء أو النافذين في المجتمع، هو المجتمع الذي يحكمه الضمير، وليس بالغناء أو الشعارات أو اللجان.

فمهما غنينا للوطن أغاني جميلة تتغزل في الوطن وتحثنا علي حبه والعمل من أجله.. تظل مجرد أغانٍ نسمعها ونحبها وقد نرقص عليها ولكن لا نعمل بها، ومهما أفتي المشايخ في كل نواحي الحياة لكي يحثوا الناس علي الأمانة والصدق، تظل مجرد تعاليم دينية يعصف بها الواقع الذي نعيش فيه، فيضع المؤمن كل همه في العبادات وليس في المعاملات، ويصبح الشعار السائد «هذه نقرة وهذه نقرة».

ومهما كتب كُتاب الكتاب أطنان من الكتب التي تحض الأطفال علي العدالة والأمانة والإيثار وحب الوطن، ولكن الطفل وهو يقرأ ويذاكر في المدرسة كل هذه الكتب يتعلم في نفس المدرسة وعلي أرض الواقع معني الرشوة، حينما يضطر أن  يحصل علي درس خصوصي وإلا فإنه حتماً راسب، ويعرف معني الغش حينما تسأله أمه المربية الأولي في حياته عن الغش وهل سمحوا لهم أم لا؟.. ويتعلم الإهمال والقذارة حينما تكون المدرسة قذرة وكل مرافقها مهملة، وأكوام الزبالة ملقاة في كل مكان.

إنها الدروس الأولي التي يتلقاها في بدايات احتكاكه مع المجتمع الذي تعيش معه وتلازمه في كل مناحي الحياة بعد ذلك، إنها العالم الواقعي وتصبح كل الكتب بكل ما فيها من قيم وتعاليم واقعاً افتراضياً يحفظه من أجل أن يمتحن وينجح ولكنه لا يستخدمها أبداً في حياته، إنها الازدواجية التي يعيش فيها المجتمع وهي كفيلة بسحق أي قيم وأي ضمير.

لقد كتب الكاتب الكبير «جيمس بريستيد» الأمريكي عالم المصريات القديمة في كتابه «فجر الضمير» الذي ترجمه العالم المصري العظيم سليم حسن: «إن الوازع الأخلاقي – الضمير – قد شعر به المصريون القدماء قبل أن يوجد هذا الشعور في أي مكان آخر في العالم القديم، وأنهم أيضاً كانوا أصحاب بدايات القانون الأخلاقي، وأن الموت ليس هو نهاية النهايات وأن هناك بعثاً آخر وحياة بعد الموت فيها ثواب وعقاب».

ويا للمقارنة المحزنة بلد علم العالم معني الضمير، تبحث عنه بعد آلاف السنين «في كنكة» عذراً أقصد «لجنة».