رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

وقفنا في الحلقة السابقة عند تفجير الصراع داخل الجماعة نتيجة الانقلاب الذي قام به شبابها أساساً وتأسيس مكتب اداري خارج مصر للسيطرة علي سياسة الجماعة وأموالها استبعد منه الحرس القديم مثل محمود حسين ومحمود عزت ومحمود غزلان وعبد الرحمن البر، وكان السبب الحقيقي للصراع هو الخلاف على استراتيجية الجماعة في مواجهة نظام الحكم بعد تطور الأحداث داخل مصر والقمع الشديد الذي واجهته الجماعة من الحكومة.

وفي هذه الحلقة الرابعة والأخيرة نعرض تطور الأحداث، فقدتم قبل الانقلاب على الحرس القديم بيوم واحد نشر ما يسمى «بنداء الكنانة» وقعه 159 فقيهاً من العالم الاسلامي من خارج مصر كثيرون منهم شخصيات معروفة وبعض قيادات السلفيين التي ساندت الاخوان مثل الشيخ محمد عبد المقصود وسعيد عبد العظيم، وبدأ البيان باعلان أن الهدف هو شرح الوضع من الناحية الدينية للشعب المصري، وأن نظام الحكم الحالي اجرامي قاتل، وأن واجب الأمة الاسلامية مقاومته، وأن المجرمين ليسوا الحكام فقط بل القضاة والضباط والجنود والساسة، فكلهم يعتبرون قتلة يستحقون الاعدام شرعاً، ولم يكن البيان مجرد اعلان حرب على المجتمع، وقد أيده محمد منتصر الناطق بلسان الجماعة رسمياً واصفاً البيان بأنه دليل صحة خط سير الجماعة، ودعا الموافقين عليه بالتوقيع على موقعه الالكتروني، وقد وقع للآن 626400 شخص، ولم تكن محاولة الحرس القديم استعادة سلطتهم مجرد شعور بملكيتهم للجماعة، بل كانوا مدفوعين بخوف حقيقي من أن العنف السائد خرج عن نطاق السيطرة ويهدد بدفع الجماعة الى المجهول، فقد احتفلت ما يسمى بحركة العقاب الثورية بأنها خلال ستة أشهر فقط قتلت 157 وجرحت 452 من رجال الأمن ودمرت 162 عربة و53 مبني لمن سمتهم «جيش كامب ديفيد» وينظر شباب الجماعة باعجاب الى سوريا، بينما يخشى الحرس القديم سوريا ثمانينات، القرن الماضي عندما رفعت عصابة الاخوان السلاح في وجه حكومة حافظ الاسد فسحقهم تماما في كل سوريا، فقد تعلم الحرس القديم أن مواجهة الدولة بالسلاح عملية خاسرة تنعكس على الجماعة كلها بالكارثة ولذلك يتمنى الحرس القديم الحفاظ على كيان الجماعة في مصر الى أن تتغير الظروف.

هناك إذن رؤيتان متعارضتان وراء أزمة الجماعة، وليس لدى ايهما حل مقنع لمواجهة الوضع، فالحرس القديم يرى اعطاء الفرصة للحكومة كي تنفجر من الداخل نتيجة ازمات اقتصادية وفشل أمني وغضب شعبي يقود لثورة أو انقلاب أو تدخل خارجي يمارس ضغطا على النظام الحاكم، ولاستمرار الضغط على الحكومة يجب استمرار المظاهرات حتى ولو لم تؤد لنتائج فورية، كما يجب استمرار ضغط الجماعة على دول الغرب وتهديدها بأن مصير سوريا والعراق سيتكرر في مصر إن لم تتدخل الدول الغربية، واحتفاظ الحرس القديم بأكذوبة تمسكه بالسلمية يمكن الجماعة من تقديم نفسها بأنها البديل المعتدل لداعش.

ويراهن الحرس القديم على الوقت لتغيير الظروف مثل التقارب بين تركيا وسلمان ملك السعودية، وكان ذلك وراء الرسالة التي وجهها يوسف ندا الى الضباط المصريين محذراً أن مصر في طريقها لأن تكون دولة فاشلة مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن ما لم يقم الجيش بثورة مقابل تنازل الاخوان عن عودة مرسي للرئاسة.

وعلى الجانب الآخر يعتقد التيار الانقلابي داخل الجماعة وقيادته الجديدة أن الوسيلة الوحيدة لاسقاط النظام هي استنزافه بالعمل الارهابي، وإذا كان الحرس القديم يدعي أن الارهاب هو ما مكن عبدالناصر من سحق الجماعة سنة 1954 فذلك مردود عليه بأن قيادة الجماعة الحالية هي السبب في فشلها وشعورها أن كل تضحيات الماضي قد ذهبت هباء، ولكن علي الحرس القديم أن يفهم أن اسقاط حكم السيسي لن يحل المشكلة، فالصراع صراع عقائدي بين الاسلام والكفر، بين الحق والباطل، بين الجماعة وبين جيش كامب ديفيد وسادته من الصهاينة، وهذه النظرة الشاملة لا تحتمل أي مساومة.

النتيجة النهائية:

في أعقاب انفجار الجماعة الارهابية من الداخل اعتقلت الحكومة غزلان والبر من الحرس القديم وسعد عليوة من القيادة الجديدة يوم 18 يونية، عقب اعتقال المرشد الجديد وهدان في 27 مايو وعدد من قادة الجانبين وسكت اعلام الجماعة ولكن الحرب الداخلية استمرت وانشقت الجماعة على أساس آراء متعارضة، وربما مازالت الجماعة تأمل في استمرار الاتجاهين، فقبل ظهور الخلاف صدر بيان تأييد الجهاد ثم اختفى من موقع الجماعة وفي 17 مايو دعا محمد منتصر لثورة تقطيع الرؤوس، ويبدو أنه تراجع في 25 يونية عندما دعت الجماعة لعدم سقوط شبابها في دائرة العنف، وكان تراجعه رد فعل لبشاعات الانتقام الثوري بقتل المدنيين الذين اتهمتهم بالعمالة للحكومة، فكان يخشى دفع الجماعة بالعنف وبالتالي تخلي الجماهير عنها ولكن تراجعه لم يدم طويلاً فبعد تصفية الحكومة لتسعة ارهابيين اول يوليو اصدر منتصر بيانا يقول إن اعدام هؤلاء القادة يجعل من المستحيل كبت غضب الجماعة عندما يقتل بعض قادتها في منازلهم.

فهل يستطيع أي من قادة الجماعة المتنافسين ايقاف دائرة العنف والحفاظ على الزعم بسلمية الجماعة؟ ماذا سيكون مصير الجماعة؟ هل سينتصر الحرس القديم أم سينتزع الشباب زعامة الجماعة؟ هل سيتم التوازن أم ستنشق الجماعة؟ بالشىء المؤكد أن التوازن الداخلي الحالي مستحيل أن يستمر في المدى الطويل، ففي 2 يوليو أصر أحد زعماء الجماعة وهو أشرف عبد الغفار أن الجماعة لم تلتزم أبداً بالسلمية المطلقة، وانما ستسمح لاعضائها بعمليات تكتيكية مثل نسف محطات الكهرباء، وتصعيد العمليات باغلاق الطرق واحراق عربات الشرطة وكل الأساليب ما عدا القتل، فما دام الجيش من  وجهة نظره يعمل لحساب اسرائيل فلا يمكن ايقاف انزلاق الجماعة نحو التطرف ولا يستطيع قادتها التحكم في الشباب، وكما يقول عبد السلام عياش فان افكار السلفية الجهادية قد تسربت داخل الجماعة، وعندما ظهر الخلاف داخل الجماعة الى العلن صرح خصمها السلفي عبد المنعم الشحات بأن العنف التكفيري قد تسرب داخل الجماعة فشباب الجماعة يقودهم حالياً قنوات التليفزيون ومشايخ التكفير الذين يملأون شاشاتها مثل سلامة عبد القوي ووجدي غنيم.

وفي أعقاب الخلاف داخل الجماعة نشر محمد عباس مقالاً يدعو الى اعادة تأسيس الجماعة للمرة الرابعة، فالمرات الثلاث الاولى كانت على يد حسن البنا ثم سيد قطب ثم عمر التلمساني أما هذه المرة فلن يكون التأسيس على يد قائد عملاق لأن مستويات القاعدة هى التي تقود الجماعة حالياً مع اسلاميين من خارج الجماعة، ففكرة التلمساني في العمل من داخل النظام والمنافسة في انتخابات البرلمان قد سقطت تماما، فالجماعة تدرك حالياً أنها تعرضت للخداع بأفكار الديمقراطية، والآن يسودها شعار واحد هو «الجهاد سبيلنا» والصراع سيكون هدفه السيطرة على المجتمع وفرض الشريعة وختم محمد عباس مقاله قائلا: «يوما ما سيسأل أحدهم قادة التأسيس الرابع أن يتنحوا جانباً ويتركوا القيادة لقادة التأسيس الخامس الذي يقيم الخلافة الاسلامية، وسينتصر هذا الفكر أو ستنهار الجماعة الى الأبد، فمن ناحية يتمتع الحرس القديم بالاحترام وبالسيطرة على مالية الجماعة، ومن ناحية أخرى يدفع المتطرفون الثمن بدماء غزيرة، وهؤلاء الرجال لم يعودوا يؤمنون بالدولة الوطنية، فشرعيتهم تنبع من تضحياتهم وسيطرتهم على الشارع والاعلام».

فالجماعة اليوم تقودها قاعدتها وليس قيادتها ولم يعد الصراع بين القطبيين والاصلاحيين، فالقطبيون القدامى أصبحوا حمائم، وهذه ليست أول مرة يدور الصراع على الزعامة داخل الجماعة، فقد سبقه صراع شباب محمد مع حسن البنا سنة 1940، وصراع أحمد السكري مع حسن البنا سنة 1947، وتحدى الجهاز السري للهضيبي سنة 1950، وانشقاق حزب الوسط سنة 1995، وانشقاق عبد المنعم أبو الفتوح سنة 2011 ورغم كل هذه الانشقاقات فان المتفائلين يثقون في مستقبل الجماعة، وكما يقول الصحفي عبد المنعم يوسف: «ليس السؤال هو هل تغيير الجماعة بل كيف ستتغير وإلى أي مدى؟».

وإلى هنا ينتهي هذا العرض التفصيلي لما يحدث داخل الجماعة الارهابية من صراع على السلطة، ولا يحتاج المرء لكثير من الذكاء ليدرك أن الجماعة الارهابية مبنية على الفاشية ولا تؤمن بالولاء لأي وطن فالرابطة الوحيدة هي تسخير شعارات المتاجرة بالدين، والمباراة على الزعامة باعتناق التطرف، ولا نظننا في حاجة أن ننهي قائلين إن الجماعة في طريقها المحتوم الى مزبلة التاريخ، فهذه الجولة الأخيرة من العنف والاجرام ليست موجهة ضد الجيش والشرطة كالجولات السابقة، بل موجهة أساساً الى المواطن العادي بهدم رزقه وبنيته التحتية واهدار دمه عقاباً له على أنه لم يؤيد الجماعة الظلامية في أفكارها السوداء ووجه لها الطعنة القاتلة بثورته المجيدة في 30 يونية سنة 2013.

الرئيس الشرفي لحزب الوفد