عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في البدء كانت الكلمة، ومن هنا يمكن استيعاب حقيقة أن الكلمة أمانة ومسئولية يجب على صاحبها أن يعي كيف وأين ومتى يتفوه بها؟.. فليس معنى أنك كاتب منحك الله مساحة في صحيفة أن تشطح وتنطح كل من شئت بحق وبغير حق، وليس معنى أنك إنسان فضائي «ضيف دائم في الفضائيات» أن تهرف بما لا تعرف وأن تفتي فيما تعلمه وما لا تعلمه، وليس معنى أنك خطيب جمعة أن تستغل سلطتك على المصلين وعدم قدرتهم على ترك المسجد، في اتحافهم بما يستحق وما لا يستحق.

مساحة خيانة أمانة الكلمة في بلدنا أصبحت تتسع وتزيد، حتى أنها أصبحت تنافس اتساع الفساد الذي تم الكشف عنه مؤخراً، والأخطر أن يكون ذلك من على منابر المساجد، وإذا كان الحديث في شأن ذلك فيما يتعلق بالصحف والفضائيات يحتاج لمجلدات، فإن حديثنا هنا ينصرف إلى نوادر تفوه بها خطيب أحد المساجد مؤخرا فيما يكشف عن ضيق فهمه ليس للدين فقط وإنما للحياة فقط.

وإذا كان الخوض في العقائد أمراً يجب أن يكون من بين أكثر ما يحرص الخطيب على أن يتناوله بحذر وحكمة، فإن الأمر يكشف عن خلل حينما يفتقد الخطيب هذين الجانبين. ونتجاوز عن هذا الشأن في ضوء ما نراه ألا يكون مجالاً للتناول العام لخطورته، وألا يكون كلامنا مصدر فتنة، نربأ أن نكون أحد أسبابها.

كان من بين ما عرض له خطيب الجمعة في المسجد الذي صليت فيه منذ أربعة أيام قضية التبرع لأعمال الخير والحج.. فقد راح الخطيب يؤنب المصلين لأن التبرعات تراجع مستواها بشكل ينذر بالخطر على مستقبل المشروعات التي يقوم بها المسجد وهي مشروعات خيرية تخدم أبناء المنطقة، غير أن الخطيب في سعيه لحث المصلين على التبرع راح يقدم تصورات واهية وتبدو مستفزة، فقد أخذ الخطيب ينتقد المصلين الذي يدفعون الآلاف في الكثير من أوجه الحياة فيما يبخلون بالتبرع للمسجد والجمعية التي تقوم على إدارته، كان من بين ما طرحه الخطيب أن الكثير من المصلين يدفعون آلاف الجنيهات عن طيب خاطر من اجل مواصلة أبنائهم التعليم في الجامعات الخاصة حيث يصل متوسط ما يدفعونه لنحو أربعين ألف جنيه سنوياً.. وأضاف أن الابن إذا رسب في الجامعة يكرر الأب الدفع دون كلل أو ملل بعد أن يوبخ الابن بعض الشىء، وقد يصل الأمر بالدفع لعام ثالث إذا رسب الطالب وهكذا دواليك، يدعو الخطيب هؤلاء الآباء إلى أن يحمدوا الله أن ابنهم نجح ويتبرعوا ولو بنصف ما كانوا سيدفعونه في حالة رسوبهم تبرعاً للمسجد.

وبنفس المنطق يمكنك أن تسأل نفسك عما إذا كنت قد قمت بإجراء عملية جراحية ولتكن قلب مفتوح على مدار العام المنصرم وإذا كانت الإجابة بالنفي فإنك يجب أن تتخيل كم كان يمكنك أن تدفع للعملية وليكن 80 ألف جنيه وتتبرع بجانب من ذلك المبلغ للمسجد، ويمكنك ان تسرح بذهنك عما إذا كنت قد تعرضت لحادث سيارة – لو كنت تمتلك سيارة – وتتصور أن حادثا مثل ذلك كان يمكن أن يكلفك مائة ألف جنيه وتتبرع بجزء ولو يسير من المبلغ المشار إليه للمسجد.

لا أدري هل هذا الخطيب مغيّب عن الواقع المصري أم ماذا؟.. هل يملك المصريون، بما فيهم تلك الأسر التي تدفع تلك الآلاف التي يتحدث عنها مصنعاً أو مطبعة للبنكنوت؟.. وهل لا يدري أن تلك الآلاف إنما تأتي بعد جهد جهيد قد يضطر معه الأب أو الأب والأم معاً إلى التخلي عن الكثير من متع الدنيا بما فيها أشياء أساسية من أجل توفير ما يمكّن ابنهم من دخول تعليم جيد حسب تصورهم؟.. وهو الأمر الذي يصوره بشكل رائع ذلك الإعلان عن أب يصل الليل بالنهار من أجل توفير الدخل لأسرته حتى أنه أتى بلعبة لابنه الذي كبر، ونسى أو لم يعلم، بفعل حالة شبه الانقطاع عن المنزل بسبب زحمة العمل، أن قد تجاوز السن التي يفرح بها ابنه باللعبة.

السؤال الذي يفرض نفسه هو: أين ستوجه تلك الآلاف التي سيقوم المسجد على تحصيلها؟.. حاشا لله فنحن لا نشكك في ذمة أحد ولكن نطرح الأمر للنقاش. ولأننا نعرف بعضا ما يتم نشير إلى أنها تتوجه لبعض الأنشطة الخيرية مثل توفير خدمة غسيل الكلي وسيارة دفن الموتي وتوفير دورات للدرسات الإسلامية وتحفيظ القرآن.. ليس منعاً للقيام بالخير ولكن السؤال أليست مثل هذه المشروعات الطبية من مهام الدولة؟.. وإذا تفضل البعض وسعى للقيام بها، فأليس من الأفضل القيام بها في الحدود التي لا تمثل استنزافاً للمصريين وابتزازاً لمشاعرهم الدينية؟.. ولماذا لا يكون الحث على التبرع في إطار عام ووفقاً لمقدرة كل شخص وفي حدود استطاعته؟.. مجرد أسئلة.

في الخطبة ذاتها راح الخطيب يلوم المصريين على عدم توجيه اهتمامهم للحج، داعياً إياهم لتكثيف مساعيهم من أجل إتمام هذه الشعيرة، وعدم التحجج بأنه لمن استطاع إليه سبيلا.. رغم أن الواقع يجافي ما ذهب إليه، حيث إن إحدى مشكلات مصر مع السعودية هي المطالبة بزيادة العدد عن الحصص المقررة وهي 80 ألف إلى 90 ألف حاج.. كان من المنتظر أن يدعونا الخطيب إلى إعلاء مفهوم الحج، وليس المزاحمة على القيام بالشعيرة، حيث إن الزحام قائم ولا ينتظر المزيد، فيما يغيب المعنى الحقيقي للحج، حتى إن البعض لا يجد غضاضة – وهو ما كشفت عنه قضايا الفساد الأخيرة – في تقاضي رشوة للذهاب إلى الحج، رغم أن أبجديات الحج رفض كل ما يمت لتلك السلوكيات بصلة.

نأمل أن يكون ذلك مدخلاً للترشيد الذاتي من قبل الخطباء لأدائهم باعتبار أن الترشيد الرسمي أمر يبقى مرفوضاً في كل الأحوال.

 

 

[email protected]